حريق الرصاصة الأولى

الحدث الأحد ٢٣/يونيو/٢٠١٩ ١٢:٠٩ م
حريق الرصاصة الأولى

طهران-واشنطن-وكالات:

حذر الجيش الإيراني امس السبت الولايات المتحدة من أن أي هجوم على أراضي إيران ستكون له عواقب مدمرة للمصالح الأميركية في المنطقة. وقال الناطق باسم هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية العميد ابو الفضل شكارجي في مقابلة مع وكالة تسنيم، إن «إطلاق رصاصة واحدة باتجاه إيران سيشعل مصالح أميركا وحلفائها» في المنطقة. وأضاف المسؤول الإيراني «الوضع الإقليمي اليوم هو لصالح إيران». وتابع «إذا قام العدو وخصوصاً الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة بخطأ إطلاق النار على البارود الذي تقف عليه الولايات المتحدة، فإن مصالحها ستشتعل». وأكد العميد شكارجي أن «هذا الحريق سيبتلع الولايات المتحدة ومصالحها ومصالح حلفائها»، معتبراً أن «هدف العدو» وخصوصاً إسرائيل هو «تجريد إيران من السلاح».

ألغيت الضربة
وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة أنه ألغى في اللحظة الأخيرة ضربات على إيران لتفادي سقوط خسائر بشرية فادحة، لكنه واصل تهديده بالرد على طهران لإسقاطها طائرة استطلاع أميركية مسيّرة.

وروى ترامب في سلسلة تغريدات صباحية ما جرى مساء الخميس بالتفصيل، في واقعة غير مسبوقة بالنسبة إلى رئيس للولايات المتحدة. وكتب «كنا مسلّحين وجاهزين للردّ الليلة الفائتة (عبر استهداف) ثلاثة مواقع مختلفة حين سألت عن عدد الأشخاص الذين سيقتلون. وكان الجواب من أحد الجنرالات: 150 شخصاً سيدي. قبل عشر دقائق من الضربة أوقفتها، كان ذلك غير متكافئ بالنسبة إلى هجوم على طائرة مسيّرة». وفي مقطع من مقابلة مع قناة «ان بي سي»، أكد ترامب أن الطائرات الأميركية لم تكن قد أقلعت حين اتّخذ قراره، وقال «لكنها كانت قادرة على التحليق سريعاً. وكانت الامور ستحصل إلى درجة لن نكون قادرين على التراجع».
واسقطت ايران الخميس طائرة مسيرة من طراز «غلوبال هوك»، مؤكدة انها انتهكت مجالها الجوي، الامر الذي نفته واشنطن بشدة.
وساهمت هذه الواقعة في تصعيد التوتر بين البلدين، مع استمرار إدارة ترامب في تبني سياسة «الضغوط القصوى» لدفع ايران الى الحد من طموحاتها النووية وتقليص نفوذها الاقليمي.
واضاف ترامب عبر تويتر «لست مستعجلا، جيشنا جاهز وهو الافضل في العالم بدرجات. لن يسمح أبدا لايران بامتلاك اسلحة نووية، ليس ضد الولايات المتحدة ولا ضد العالم».

«بالغ الدقة»
كذلك، تشاور ترامب هاتفيا الجمعة مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان وطلبت الولايات المتحدة ان يعقد مجلس الامن الدولي غدا الاثنين اجتماعا يبحث فيه اخر التطورات المتصلة بايران، بحسب مصادر دبلوماسية. وفي اتصال هاتفي طارئ الجمعة، أبلغ مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية عباس عراقجي الولايات المتحدة رسالةً عبر سفير سويسرا التي تتولى رعاية المصالح الأميركية في إيران منذ عام 1980.

وقال عراقجي إن «الجمهورية الاسلامية في ايران لا تدعو إلى الحرب والاشتباك» في المنطقة، محذرا في الوقت نفسه من «أي خطوة غير مدروسة من جانب القوات الأميركية». وفي واشنطن، تحدثت الرئيسة الديموقراطية لمجلس النواب نانسي بيلوسي عن «وضع بالغ الخطورة والدقة مع ايران»، وقالت «علينا ان ندرس ردا من شانه احتواء (التوتر) مع اعطاء الاولوية للمصالح الاميركية، وعلينا ان نكون واضحين بالنسبة الى طبيعة هذه المصالح».
في الوقت نفسه في طهران، اعرب الايرانيون عن قلقهم. وقال التاجر امير لفرانس برس «بالنسبة الي الوضع مقلق اصلا لان الوضع الاقتصادي للبلاد سيء واحتمال نشوب حرب يرعبني. لكن الاميركيين لا يرغبون في حرب بدورهم، لاننا نعيش في منطقة استراتيجية».

تحذيرات
وبثّ التلفزيون الإيراني الجمعة صوراً لما قال إنها «حطام» الطائرة المسيرة الأميركية. وصرح الجنرال اميرعلي حاجي زاده للتلفزيون من قاعدة في طهران «تولت القوات البحرية جمع القطع الطافية على المياه ونقلها كما ترون الى طهران»، فيما غرقت قطع اخرى.

واوضح حاجي زاده أحد قادة الحرس الثوري أن ايران وجهت تحذيرين قبل إسقاط الطائرة.
ونظرا للتصعيد، قررت العديد من شركات الملاحة الجوية مثل كاي إل إم وكوانتاس والخطوط السنغافورية والماليزية ولوفتهانزا تجنب تحليق طائراتها في منطقة بحرعمان ومضيق هرمز، وذلك احتذاء بشركات الطيران الاميركية.
وفي واشنطن أعربت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي عن «ارتياحها» لتراجع ترامب عن ضرب الجمهورية الإسلامية، مشدّدة في الوقت نفسه على وجوب أن يستحصل الرئيس مسبقاً على موافقة الكونغرس قبل أي هجوم عسكري على إيران.
وبالنسبة إلى الدبلوماسي الأميركي السابق والمفاوض في العديد من الإدارات الديموقراطية والجمهورية على حدّ سواء آرون ديفيد ميلر فإنّ قرار ترامب بالتراجع عن ضرب إيران «صائب» لكنّه لا يحل المشكلة بل يؤجلها فقط لا غير، مشددّا على أنّه «من دون بذل جهود لتصحيح العلاقات الكارثية بين الولايات المتحدة وإيران فإنّ التصعيد العسكري ليس سوى مسألة وقت». واعتبر ترامب في البداية أن ضرب إيران للطائرة المسيرة «خطأ جسيم». لكنه قلل من خطورة الحدث لاحقاً، في محاولة على ما يبدو لخفض التوتر، معتبراً أن ما حصل قد يكون خطأ من الجانب الإيراني ارتكبه شخص «أحمق».
ويتصاعد التوتر بين الطرفين منذ انسحاب الولايات المتحدة في مايو 2018 من الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني، وفرضها بعد ذلك عقوبات مشددة على إيران تحرمها من منافع اقتصادية تستحقها بموجب الاتفاق.
وتفاقمت الامور إثر هجمات على ناقلات نفط في منطقة الخليج في مايو ويونيو، تنسبها واشطن إلى طهران التي تنفي هذا الاتهام. وعززت الولايات المتحدة مؤخراً انتشارها العسكري في الشرق الأوسط، فيما يمكن توقع حصول احتكاكات إضافية مع إعلان إيران أن احتياطاتها من اليورانيوم المخصب ستتخطى بعد 27 يونيو الحدّ المنصوص عليه في الاتفاق النووي.