«رحلة إلى مصر»..مترجمة للعربية

مزاج الأحد ٣٠/يونيو/٢٠١٩ ١٣:١١ م
«رحلة إلى مصر»..مترجمة للعربية

أبوظبي -
صدر مؤخرا كتاب الروائيّ والشاعر والناقد الفرنسيّ تيوفيل غوتييه «رحلة إلى مصر»، وذلك ضمنَ كلاسيكيّات الأدب الفرنسيّ التي تصدر عن مشروع «كلمة» للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبي. وترجمها عن الفرنسية الكاتب والمترجم المغربيّ محمّد بنعبود، وراجع الترجمة ونقّحها وقدّم لها الشاعر والأكاديميّ العراقي المقيم في باريس كاظم جهاد. وتصدر هذه الترجمة بالتّزامن مع ترجمة رحلة الكاتب نفسه إلى الجزائر، وهي الأخرى ترجمها محمّد بنعبود وراجَعها كاظم جهاد.

لقد فرضت مصر، شأنها شأن باقي بلدان الشرق، لا بل أكثر منها جميعاً، سطوتها على خيال غوتييه قبل رحلته إليها بعقودٍ عديدة، وأثناء الرّحلة وفي أعقابها. كتب عنها وشعرَ بشوقٍ عارمٍ إليها قبل أن تطأها قدماه، وذلك من خلال ما شاهده من إبداع أبنائها في المعرض الدوليّ الذي أقيم في باريس سنة 1867، وفي المتاحف والجاليريّات، وما عرفه عنها بفضل قراءاته الشرقيّة والاستشراقية الواسعة. وعندما بلغها بعد طولِ انتظار وحنين وشغف، شاء عبث الأقدار أن يتعرّض لحادث حوّلَ رحلته، هو المشّاء الكبير الذي كان يعوّل على نظراته بقدر ما كان يعوّل على ثقافته، نقول حوّلَها إلى «سفرٍ ثابت». ذلك أنّ إحدى ذراعيه قد تعرّضت على متن السّفينة إلى الكسر، ممّا اضطره، لمداراة ذراعه المجبّرة، إلى الاكتفاء بالتطلّع إلى المدينة التي كانت تستقطب كلّ أحلامه من شرفة فندق شِبَرْد حيث أقام.
بيد أنّ هذا اللّقاء المفوّت لم يكن كذلك بكامله. فقريحة الكاتب وذكرياته عن مصر التي لطالما رآها في أحلامه وقراءاته، وقدرته على استشراف طبائع أهل البلاد من خلال أدنى تجلّياتها، وبفضل أبسط محادثة، هذا كلّه مكّنه من أن يعوّض نسبيّاً عدم اقتداره على الحركة جائلاً في طول القاهرة وعرضها كما كان دأبه في سائر رحلاته. ثمّ إنّ الكتاب المترجَم ههنا يقدّم للقارئ تعويضاً آخر بفضلِ ما يحتويه ملحقه من مقالات عن عدّة أعمالٍ أدبيّة وفنيّة مكرّسة لمصر، كان غوتييه قد كتبها في فترات مختلفة وجمعها الباحث الإيطاليّ بابلو تورتونيزه، الذي تنطلق الترجمة من طبعته لهذه الرّحلة. فهي بمثابة تتمّة لرحلته تأتينا من معاينته رحلات الآخَرين إلى مصر وما كتبوه عن البلاد أو رسموه.
كما ينبغي القول إنّ أعمال غوتييه الخياليّة عن الشرق، من «رواية المومياء» إلى العديد من أشعاره وقصصه، تحتفظ (أوَ ليس الأمر طبيعيّاً؟) مع رحلاته ومقالاته المكرّسة للشّرق بأواصر مشتركة عديدة. ففي النصوص الإبداعيّة نجد أفكاراً وافرة عن الشرق وتحليلات رصينة لتاريخه وثقافته. وفي الرحلات والمقالات هناك هذه القدرة العالية على إنجاز الوصف الحيّ واللّوحة البالغة الدّقّة والمشهد الباذخ التفاصيل والسّرد البارع للّقاءات والمعاينات، هذا كلّه الذي يشفّ عن حرص الكاتب على زجّ قارئه في العالم الذي يصف، وفي صميم قراءته لهذا المشهد أو العمل الفنّيّ أو ذاك.

ولد تيوفيل غوتييه Théophile Gautier في مدينة تارب Tarbes الفرنسيّة وانتقل مع عائلته إلى باريس في 1818. وفي المدرسة تعرّف على الشاعر جيرار دو نرفال وتوطّدت عُرى صداقتهما وتحمّسا معاً لدراسة الشّعراء اللّاتين وآداب اللّغة الفرنسيّة، وبدآ فيما بعد يرتادان الأوساط الأدبيّة. ثمّ تعرّف على فيكتور هوغو الذي جعله يعي موهبته كاتباً هو الذي كان مصمّماً على أن يصبح رسّاماً.