التنمية والسلام في الشرق الأوسط

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٠/يوليو/٢٠١٩ ١٥:٣٥ م
التنمية والسلام في الشرق الأوسط

في ورشة عمل أقيمت في البحرين، قَدَّم كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر مبادرة طموحة للتنمية الاقتصادية للشعب الفلسطيني. وتأمل إدارة ترمب أن يفضي اقتراحها، تحت مسمى «من السلام إلى الازدهار»، إلى حل العقدة المستعصية المتمثلة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وبالتالي توطيد السلام أخيرا بين الدولة اليهودية وجيرانها.

ورغم أن ورشة العمل ضمت دولا عديدة لها مصالح حيوية في المنطقة والتي يمكنها أن تلعب دورا محتملا في برنامج التنمية الاقتصادية، فقد رفض الفلسطينيون المشاركة. ونتيجة لهذا، غاب الإسرائيليون أيضا. يرى المسؤولون الفلسطينيون أن مجرد تصور إمكانية تخليهم عن مطالبهم السياسية القائمة منذ أمد بعيد في مقابل المساعدة الاقتصادية إهانة. لكن خطة البيت الأبيض توضح بشدة التكاليف المترتبة على إهدار الفرصة بالإبقاء على الوضع الراهن. إن تحويل اقتصاد الضفة الغربية وغزة من الممكن أن يجلب تحسينات هائلة على نوعية حياة معظم الفلسطينيين.الواقع أن خطة الولايات المتحدة (التي ساهمت فيها شخصيا ببعض الاقتراحات) شديدة الطموح. فسوف تكون المنح والقروض المقدمة للمناطق الفلسطينية مصحوبة بتدابير لتعزيز حقوق الملكية وسيادة القانون، وتعزيز السلطة القضائية، وتحسين البنية الأساسية، وتوسيع التجارة مع إسرائيل وأجزاء أخرى من المنطقة. ويتلخص الهدف في مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي للمناطق الفلسطينية وتوفير مليون وظيفة، وبالتالي خفض معدل الفقر إلى النصف.يشتمل البرنامج على ثلاث مبادرات مترابطة وموجهة نحو «إطلاق العنان للإمكانات الاقتصادية»، و»تمكين الشعب الفلسطيني»، و»تعزيز الحكم الفلسطيني». وتقدم كل من هذه المبادرات إصلاحات بعينها لمعالجة مجموعة واسعة من القضايا. على سبيل المثال، هناك مقترحات لتعزيز رأس المال البشري ودعم ريادة الأعمال؛ وفتح الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال تمديد طرق جديدة، وسكك حديدية، ومعابر حدودية؛ وتوسيع مشاريع الطاقة، والمياه، والبنية الأساسية الرقمية. على نفس القدر من الأهمية، ستعمل الخطة على تعميق تكامل الاقتصاد الفلسطيني، ليس فقط مع إسرائيل، بل وأيضا مع مِصر والأردن ولبنان.في مجمل الأمر، يعرض برنامج «من السلام إلى الازدهار» على الشعب الفلسطيني خريطة طريق قابلة للتطبيق لتحسين مستقبلهم الاقتصادي. ورغم أن مثل هذه المبادرات الكبرى نادرا ما تنتهي إلى تحقيق المتوقع منها على وجه الدقة (فقد يلاحق القطاع الخاص فرصا لم يفكر فيها أي طرف آخر)، فإن التقدم نحو حصة كبيرة من الأهداف يمثل إنجازا بالغ الأهمية.الواقع أن الخطة التي تطلق العنان للإمكانات البشرية، والتجارة، والاستثمار الخاص، في حين يؤسس للعملة السليمة والانضباط المالي، تمثل مسارا مجربا وصحيحا للنمو وتعزيز الحرية الفردية. (للتعرف على آثار النهج المعاكس، ما علينا إلا أن ننظر إلى فنزويلا). عندما توجه المساعدة الخارجية على النحو الذي يقلل من العوائق المادية والقانونية التي تحول دون تعزيز التجارة والاستثمار، وإذا كان ذلك مصحوبا بإصلاحات الحكم الضرورية، فإن الفرص الناجمة عن ذلك تميل إلى أن تكون عديدة ودائمة.

كان هذا النهج في قلب خطة مارشال. فبعد الحرب العالمية الثانية، عملت الحكومات الأوروبية على تنفيذ الإصلاحات وإزالة الحواجز أمام التجارة، وزودت الولايات المتحدة المنطقة بالمال، والغذاء، والوقود بقيمة تعادل 3% إلى 5% من ناتجها المحلي الإجمالي. وكانت أكثر النجاحات وضوحا تتحقق حيثما تستن الدولة أقوى الإصلاحات. وتدين ألمانيا الغربية بمعجزة ما بعد الحرب إلى حد كبير إلى الجهود التي بذلها لودفيج إيرهارد، الذي ثابر على إصلاح العملة وإزالة ضوابط الأسعار قبل أن يصبح أول وزير للشؤون الاقتصادية في البلاد.
من المؤكد أنه حتى في ظل منح وقروض بقيمة 27 مليار دولار أميركي، فضلا عن الاستثمار الخاص من بقية المنطقة، لن يكون ضمان الإصلاحات الضرورية في المناطق الفلسطينية بالمهمة السهلة. تتطلب مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي تحقيق نمو سنوي بنحو 7% في المتوسط لمدة عشر سنوات على الأقل (أو 6% لمدة 12 عاما).لكن هذا الهدف في المتناول. ففي غضون ثمانية عشر عاما مرت منذ انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية، تضاعف ناتجها المحلي الإجمالي إلى أربعة أمثاله؛ وحققت الهند معدل نمو بلغ نحو 7% في المتوسط على مدار العقد الفائت. على نحو مماثل، بعد فتح اقتصادها قبل عقود من الزمن، نجحت كوريا الجنوبية، وتايوان، وهونج كونج، وسنغافورة، في تجنب ما يسمى فخ الدخل المتوسط ــ وهو النمط المعتاد حيث يميل معدل نمو الاقتصادات النامية إلى التباطؤ إلى المتوسط السائد في الاقتصادات المتقدمة عندما يقترب نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي من 20 ألف دولار ــ و»تتخرج» إلى وضع الدخل المرتفع. على سبيل المقارنة، يعادل نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني حاليا نحو واحد من عشرة من هذا المستوى.الأمثلة الإضافية من قصص النجاح المماثلة وفيرة. يعدد البنك الدولي سبع دول في أوروبا وأفريقيا وآسيا (باستثناء الصين والهند) حققت معدل نمو بلغ 7% في المتوسط على مدار السنوات السبع الأخيرة. كما سجل 11 اقتصادا آخر نموا بلغ 6% في المتوسط خلال نفس الفترة، فضلا عن عشرين من الاقتصادات الأخرى التي حافظت على معدل نمو تجاوز 5% في المتوسط.إذا كان الفلسطينيون مستعدين وقادرين على تبني الإصلاحات الواردة في برنامج «من السلام إلى الازدهار» (أعترف بأنه احتمال ضعيف)، فليس هناك من الأسباب ما قد يمنعهم من محاكاة هذه النجاحات بمساعدة الجيران الأثرياء، والمؤسسات الدولية، والولايات المتحدة، وجهات أخرى. والبديل هو استمرار النمو بمعدل هزيل بنحو 1.7% سنويا ــ أو أسوأ.هناك العديد من المنازعات الإقليمية والسياسية المثيرة للجدال بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعند مرحلة ما، لابد أن تُحَل هذه المنازعات. ولكن الآن على الأقل، من الممكن أن يبدأ الفلسطينيون التفكير في الإمكانات الاقتصادية المترتبة على السلام. إن التكامل الاقتصادي الأعمق مع المنطقة، وخاصة مع إسرائيل، سوف يترجم إلى خفض مستوى التوترات الجيوسياسية بالإضافة إلى مكاسب كبيرة في مستويات المعيشة، والصحة، ونتائج التعليم. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن الفلسطينيين الأكثر شبابا الذين عانوا لفترة طويلة بفِعل انعدام العمل والعمل الجزئي سوف تتاح لهم أخيرا فرص ريادة الأعمال، والتقدم على المستوى الشخصي، والحراك الاجتماعي الصاعد. وفي نهاية المطاف، هم الذين سيقررون مستقبل الشعب الفلسطيني.

أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة ستانفورد وكبير زملاء معهد هوفر. وكان رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين لجورج دبليو بوش في الفترة من 1989 إلى 1993