عمان 2040.. حقائق واستحقاقات 3-6

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢١/يوليو/٢٠١٩ ١٣:٢٢ م
عمان 2040.. حقائق واستحقاقات 3-6

بقلم - يوسف بن حمد البلوشي

يكشف التحليل والاستقراء الشمولي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المحلية وجود عدد من الحقائق ينبغي الوقوف عليها وادراكها بشكل واضح منا أبناء هذا الوطن وأن الانتقال الى المستقبل الذي نريد لن يتأتى بدون التعامل معها ومعالجتها بشكل مناسب ولمحدودية المساحة سأتطرق الى خمسة منها على سبيل المثال وليس الحصر لتنوير القارئ الكريم.

الحقيقة الاولى، أننا وحدنا من نملك تحقيق الرؤية وليس الغير، ويجب أن لا نلوم الا أنفسنا في حالة عدم تحقيقها فجميع الظروف مؤاتية لذلك ولكنها لن تتحقق تلقائيا. فكما يقال زرعوا فأكلنا ويجب أن نحسن الزراعة لتأكل الاجيال القادمة. وعليه فنحن مفتاح التغيير وأن تحقيق الرؤية لن يحدث دون تحديد التحديات الجسام التي تواجهنا، ومن ثم الاخذ بالأسباب والتحلي بالشجاعة وشغف الانجاز لتجاوزها وتحويلها الى فرص. ويتفق الجميع معي أن التنمية عملية معقدة تتطلب اتخاذ سياسات عديدة وقرارات في توقيت مناسب وهذا ما يعرف بإدارة الدورات الاقتصادية المحلية- ادارة السنين السمان والسنين العجاف- والتي هي نتاج لدورة الانشطة التجارية والتي سأشير اليها في الحقيقة الثانية، وعلى الرغم مما أنجزته المعالجات التقليدية الحالية، الا انها كانت مجتزأة، تعتمد بشكل ملحوظ على ما يكون اقرب لردود الفعل تجاه ظواهر معينة وفي جوانب محددة، الأمر الذي اسفر عن وجود تشوهات في الهياكل الاقتصادية. الامر الذي يتطلب مقاربة جديدة تعتمد على الشمولية والمؤسسية وتبني السياسات الاستباقية (سياسات مالية، نقدية، تجارية، عمالية وغيرها)، وحيث أن إدارة العملية الاقتصادية عمليه متشابكة وشاملة، فان من المهم العمل على تحقيق الترابط والتشابك بين المتغيرات المختلفة وتشخيص الاختناقات الناشئة عن وجود خلل في تلك الترابطات، وبما ينعكس في برامج وسياسات كفيلة بمعالجتها وتحديد القطاعات المحورية للمرحلة القادمة. كما يتعين اختيار نهج الانفتاح المناسب في ظل الظروف المحلية، حيث أن النهج الاقتصادي ليس معادلة خطية جاهزة للتطبيق وإنما منظومه متكاملة بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولذلك يجب أن تكون السياسات المتبعة في المرحلة القادمة ديناميكية بشكل كاف لجني ثمار الانفتاح والاستفادة من المزايا النسبية المحلية.

والحقيقة الثانية، أنه لا خير في أمة تأكل ما لا تنتج وتلبس ما لا تنسج وتستفيد من خدمات لا تنتجها، فألى متى سنضل أمة مستهلكه حيث تشير الارقام المطلقة الى حالة هشاشة في دورة الأنشطة التجارية المحلية، حيث تعتمد بشكل كبير على تصدير مواد خام أولية بشكل ملحوظ دون إجراء عمليات ذات قيمة مضافة محلية تعمل على خلق صناعات مختلفة من شأنها توسعة القدرات الإنتاجية المحلية وخلق فرص عمل. وفي المقابل تعتمد على استيراد مختلف السلع والخدمات، بشقيها الاستهلاكي والاستثماري، وعلى عمالة وافدة متدنية المهارة لتلبية حاجات الطلب المحلي. وعليه، تتصف تركيبة دورة الانشطة التجارية بقصور تأثير مضاعف الانفاق لارتفاع التسربات الاقتصادية والمتمثلة بحجم التحويلات المالية الى الخارج وارتفاع درجة التركز الجغرافي والسلعي والاستثماري، الأمر الذي يعرّض الاقتصاد المحلي لهزات كبيره في حالة اية حدوث أية تغيرات أو أزمات.
والحقيقة الثالثة، تتعلق بالخلل المالي وصعوبة تحقيق الاستدامة المالية في الأجل الطويل نتيجة ارتفاع المصروفات الجارية والاعتماد على الإيرادات النفطية مع استمرار تدني الإيرادات غير النفطية وتصاعد مستويات الدين العام. وذلك بجانب تركز الاستثمار في القطاع العام، وضعف الاستثمار الخاص والأجنبي، وتركز الائتمان المصرفي الممنوح من قِبل البنوك التجارية المحلية في الائتمان للأغراض الاستهلاكية. ومن دراسة بنود الموازنة العامة للدولة يتضح أنها غير مثالية للعديد من الاسباب نوجزها في ارتفاع سعر التعادل للموازنة، وتجاهل الحاجة الى إصلاحات تم تأجيلها لوقت طويل، تتعاظم كلفتها يوما بعد يوم. ولا يجب التعامل مع انخفاض أسعار النفط كحالة طارئة، لأنه من غير المتوقع أن تشهد أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً لعدة أسباب أهمها التحولات الهيكلية الكبيرة التي تشهدها الدول المستهلكة في أنماط الاستهلاك، والتطورات التكنولوجية فيما يخص الطاقة المتجددة وترشيد الاستهلاك.
الحقيقة الرابعة وهي مرتبطة بالتي سبقتها بأن العمل في القطاع الحكومي ليس هو المكان الامثل لتحقيق الرؤية وخدمة عمان في المستقبل وقد يتفق معي الكثيرون أن أولئك الذين قاموا ببناء الحضارة العمانية التي نفاخر بها لم يكونوا في مجملهم موظفي حكومة ،وإنما كانوا يصنعون هذه الحضارة ويشدون من أزرها : في مزارعهم ينتجون التمور والليمون وغيرها ويصدرونها، وكانوا في المصانع البسيطة المتوفرة آنذاك يعملون بجهد وعزيمة تفوق الآلات الحديثة، وكانوا خلف أشرعة السفن وفي مصائد الأسماك، وبمعنى أدق كانوا في الميدان يعملون ويعرقون من أجل رفعة أسرهم وبلدهم. فالمطلوب من ابنائنا وبناتنا اليوم، الانتقال من البيئة التعليمية الى بيئة سوق العمل، من خلال اتباع نهج الريادة والعمل الحر والتوظيف الذاتي، والانفتاح على وظائف القطاع الخاص. والحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع أن هناك تحدي إداري يتمثل في كبر حجم الحكومة، وتعدد هياكلها، وضعف درجة التنسيق بينها، الأمر الذي عمق من البيروقراطية وأرهق المالية العامة، وثبط من سرعة التحول إلى حكومة إلكترونية، وأثّر سلبا في بيئة الأعمال وسرعة اتخاذ القرار مما اضعف جاذبية الاستثمار .
الحقيقة الخامسة، أن هناك معوقات ناعمة قد تكون غير واضحة تعاني منها السلطنة كغيرها من الدول النامية تحد من قدرتنا على المضي قدما ويجب التخلص منها كخطوة اولى على سبيل المثال نمطية العمل القائم على المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة (المجاملات) في إدارة وتقييم الأداء وخاصة في الجهاز الحكومي. ونحتاج في السلطنة إلى نهج مؤسسي في قياس مستوى أداء كافة أجهزة الدولة للتخلص من التداعيات السلبية للمجاملات المفرطة على التنمية والوطن وفي مقدمتها ما يتعلق ببطء التعامل مع التحديات وليكون مبدأ المحاسبية حاضرا في مسيرة تطوير منظومة الأداء في السلطنة. وكذلك دوامة تبرير الإخفاق وإلقاء اللوم على الغير، ومحدودية العمل بروح الفريق لزيادة الإنتاجية وتحسين الأداء حيث من المأخوذ على منظومة الأداء في القطاع العام أن الفريق لا ينسق جهوده وفق اطار متكامل. ومن جانب أخر ضعف القدرة على تسويق الفرص المتاحة والأفكار الرائدة.
ان الوضع على المستوى الكلي يمثل في الواقع محصلة للعديد من الحقائق والتحديات في كافة عوامل الإنتاج الأربعة: سوق العمل، رأس المال، الأرض واستغلال ما تزخر به من خيرات، والإطار المؤسسي المنظم لعملية التنمية. ويمكننا القول انها جميعا مترابطة وتحتاج الى معالجات عميقة وكما نؤكد دائما أن الاقتصاد والتنمية علم متخصص تتشابك متغيراته ويحتاج الى فهم شمولي متعدد الابعاد . وعلينا أن ندرك كأفراد في المجتمع العماني ان التأخر في أخذ تدابير تضمن اعادة توازن واستدامة المالية العامة من شانه أن يفاقم من العجز المالي ويرفع من الدين العام بما يؤثر في مزيد من التدهور في الوضع الائتماني واتخاذ تدابير تقشفية قاسية قد تشمل بنود التعويضات ونفقات التقاعد وخدمات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. ولتتم عملية التغيير في هذا الجانب لابد من البدء بإجراءات جديدة وتدرجية تعكس الكلف على الخدمات الحكومية المقدمة وتشجيع الادخار وتحفيزه والتغيير في النمط الاستهلاكي.
إن العالم في تغير مستمر وبالتالي فإن مشكلاته في تغير مستمر أيضا، وهو ما يستدعي فهما صحيحا لواقعنا و تطوير مقاربات مختلفة للقضايا الاجتماعية والاقتصادية فالمعالجات الحالية رغم أنها ساهمت في نهضتنا في حقب مختلفة إلا أنها مع التطور العالمي السريع ستقف عاجزة.

yousufhamad@yahoo.com