الحياد من أجل السلام

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢١/يوليو/٢٠١٩ ١٣:٢٣ م
الحياد من أجل السلام

بقلم محمد بن رامس الرواس

لقد نجحت سياسة السلام والدعوة للحوار في التعامل الذي انتهجته السلطنة من خلال سلام عمان الذى غرسه جلالة السلطان وجعله نقطة التقاء الفرقاء في إقناع أطراف الصراع في اليمن بالقدوم إلى السلطنة وإجراء المفاوضات المباشرة فيما بينهم للتوصل لحلول وتسويات لملفاتهم الشائكة فهيأت لهم الحياد وزرعت الثقة في أنفسهم وقامت بالدور الفعال المطلوب للتفاوض المباشر ، وأقامت بينهم روح السلام من أجل إيجاد انفراج الأزمة اليمنية ووجود وساطة في الإفراج عن عدد كبير من المحتجزين لدى الأطراف المتنازعة خاصة المرضى والدبلوماسيين ومن في حكمهم ...

إن أزمة اليمن زادت من تفاقم أزمات الحروب والبؤس والشقاء بمحيطنا العربي ، وظلت سلطنة عمان عبر نهج قائدها جلالة السلطان تخط نهجاً ثابتاً وواضحاً منذ بدء الأزمة اليمنية إلى اليوم وهي الدعوة والسعي لوقف الحرب والدعوة للحوار والحياد والسعي نحو آمال ومؤشرات للحل.

ولقد شهدت الجمهورية اليمنية نزاعاً داميا منذ عام 2014م بين القوات الموالية للحكومة المعترف بها دولياً و جماعة «أنصار الله» (الحوثيين)، وأوقع النزاع حوالي 10.000 قتيل وعدداً كبيراً من الجرحى فيما انتشر الفقر والأمراض المعدية ؛ كوباء الكوليرا في عدة مناطق يمنية.
لقد اقتصرت جهود حكومة صاحب الجلالة على الأمور الإنسانية مثل المساهمة في الإفراج عن بعض المحتجزين ، لدى الميليشيات المسلحة ، من رعايا الدول الغربية ، كما وفرت طائرات لنقل متفاوضين محسوبين على جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) وحزب المؤتمر الشعبي العام ، من صنعاء إلى الكويت ، للمشاركة في جلسات الحوار مع مسؤولين من الحكومة اليمنية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي ، والمعترف بها دولياً .

قد كان نهج السلام لجلالة السلطان متمثلاً في الاهتمام بالبحث عن آلية وأرضية يمكن فيها تطوير مبادرة تكون من الأمم المتحدة ، والعمل بشكل مستمر ومتواصل مع كافة الدول المعنية بالحرب من أجل اتصال مع الأمم المتحدة للتنسيق ومحاولة الخروج بحل سريع للأزمة اليمنية ...

ولقد كانت ولاتزال سياسة جلالة السلطان السلمية التي ينتهجها خياره الاستراتيجي المحايد من الطرفين قوات التحالف العربي و جماعة «أنصار الله» اليمنية .
بعدة سنوات من الحرب اختلطت الأوراق بالحرب اليمنية وظهرت المجاعات والأمراض ... ولقد اجتهدت السياسة العمانية ، وبذلت أدواراً دبلوماسية مهمة بهدف إنهاء الحرب ، ولقد بدأت السلطنة العمل بكل جهد سواء بشكل فردي أو من خلال الأمم المتحدة أو ثنائياً مع دولة الكويت الشقيقية في بذل قصارى الجهد لتقريب وجهات النظر بين الأطراف اليمنية ، مطالبة بالتدخل من جديد لتقديم ضمانات لجماعة «أنصار الله» بالذهاب إلى جنيف وتسهيل عملية إجراء المحادثات.

وبرز دور سلطنة عمان في الملف اليمني بشكل ملحوظ ، في استقبال جرحى الحرب من كافة الفصائل في مستشفياته ، والتدخل من أجل وساطات طلبت منه من عدة دول لإخراج مواطنيها سالمين من اليمن ، أو من خلال تسهيل تنقلات الحكومة الشرعية التي يمثلها عبدربه هادي منصور عندما أراد المغادرة إلى الرياض في شهر مارس عام 2015م .
وعليه استطاعت سياسة جلالة السلطان أن تقف على مسافة واحدة من حكومة عبد ربه منصور هادي المدعومة من قبل قوات التحالف ولقد دعمت سلطنة عمان البيان الصادر عن الدورة (35) للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون في الدوحة في 9 ديسمبر 2015 ، والذي طالب بالانسحاب الفوري لمسلحي جماعة «أنصار الله» الحوثية من جميع المناطق التي سيطرت عليها ، وإعادة جميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية لسلطة الدولة ، وتسليم ما استولت عليه من أسلحة ومعدات.

عمان ترفض التدخل فى الصراع اليمني

لأن سياسة جلالة السلطان تدعو للحوار وبذل الوساطات لإنهاء الحرب فلم تتوانَ في بذل التسهيلات ومعالجة المرضى القادمين إليها من آتون الحرب ، ولم تتخذ سلطنة عمان موقفاً مسانداً لطرف من الأطراف الخليجية المتنازعة ، وبقيت محايدة ، وأكثر من ذلك حاولت أن تأخذ مبادرات من أجل إنهاء الخلافات التي نشبت بين الفصائل اليمنية بهدف عدم إراقة الدماء بين أبناء الشعب الواحد ، ولقد استضافت مسقط أكثر من مرة لقاءات أمنية بين جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) وأمنيين سعوديين وهو نهج فتح باب الحوار لكل من لديه نوايا سلمية .
ولم تخرج سلطنة عمان من ثباتها نحو نهج السلام ولم تتبدل وضعيتها المحايدة والداعمة للسلام في المنطقة ؛ فسلطنة عمان تقدر حق الجوار مع اليمن والحدود المشتركة التي تصل إلى 300 كيلو متر وكانت سياستها السلمية عدم الانحياز لطرف ضد الآخر ...

ونهج جلالة السلطان المحايد والسلمي يملك مقومات ؛ كونه وسيطاً محايداً متى ما طلب منه ذلك في مسألة إنهاء الحرب في اليمن بحكم أنها لا تمتلك أطماعاً اقتصادية أو ترابية في هذا البلد ، بل بالعكس تسعى إلى المحافظة على علاقة جيدة مع جارتها الشرقية.
ونهج السلام الذى يدعو إليه جلالة السلطان الذى عاد من رحلته العلاجية بألمانيا حتى يكون قريباً من وطنه للتدخل بأية مبادرات سلمية لإنهاء الحرب باليمن ويعول المجتمع الدولي كثيراً على فكر جلالته السلمي لتوقيف نزيف الدم اليمني عبر اقتراح خطة سياسية تصالحية يتفق عليها جميع الأطراف ، لكن هذا الأمر مرجعه لمن يخوضون الحرب. وإلى ذلك ، أكد المبعوث الأممي إلى اليمن (مارتن غريفيث): أن الوقت حان لخوض محادثات جادة للتوصل إلى حل سياسي ، وأن الشعب اليمني يحتاج لأن يرى بصيصاً من الأمل ، معرباً عن أمله في أن تزرع المحادثات الأمل في قلوب اليمنيين».

وسيظل نهج جلالة السلطان يؤيد المواقف الدولية التي ترى في الحوار بين الأطراف المتنازعة سبيلاً وحيدًا للخروج من الأزمة ، وهو ما قالت به بعض الأطراف الدولية ؛ فقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) في أعقاب إعلان المملكة العربية السعودية بدء العمليات العسكرية في اليمن ، بناءً على طلب من حكومتها ، أكد أنّ المفاوضات لا تزال الخيار الوحيد لحل الأزمة اليمنية، و دعا جميع الأطراف والدول الأعضاء إلى تجنّب اتّخاذ أيّ أفعال من شأنها تقويض وحدة وسيادة واستقلال اليمن وسلامته الإقليمية . كما طالب مجلس الأمن في بيانه الدول الأعضاء إلى الامتناع عن التدخّل الخارجي الذي يسعى إلى إثارة الصراع وعدم الاستقرار ، وحثّها بدلاً من ذلك على دعم عملية الانتقال السياسي. كما التقت مستشارة الأمن القومي الأمريكي (سوزان رايس) ووزير الخارجية البريطاني (فيليب هاموند) واتفقا على أن التوصل لحل سياسي من خلال التفاوض هو أفضل نتيجة للأزمة في اليمن.

عضو مجلس أدارة جمعية الكتاب والأدباء فرع محافظة ظفار