عمان 2040.. وصفة العبور وخلطة التنمية 5/6

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٤/أغسطس/٢٠١٩ ١٥:٠٧ م
عمان 2040.. وصفة العبور وخلطة التنمية 5/6

يوسف بن حمد البلوشي

النبأ السار أن عمان تمتلك المقومات والموارد والممكنات الضرورية للانطلاق الى أفاق أرحب من التنمية الا أن ما ينقصها كغيرها من الدول النامية هو الخلطة الضرورية لمزجها لتحقيق النمو المستدام والتعامل مع التحديات المحلية الهيكلية. وقبل الحديث عن وصفة التنمية للمرحلة القادمة – من وجهة نظري - والتي بلا شك يجب أن تكون متغيرة بتغير التقنيات، ومتجددة بتجدد الاولويات، وعظيمة بتعاظم التحديات، أرى أنه من المناسب اولا الحديث ولو بإيجاز عن أهمية فهم السياق الاقتصادي الاوسع وضرورة الغوص في التدخلات والتشابكات بين الحسابات الاقتصادية الكلية الكبرى ومتغيراتها حيث لكل مجتمع تركيبته وخصوصيته المكونة لوصفته الخاصة. وهنا الحديث عن المالية العامة والحسابات القومية وميزان المدفوعات وحسابات النقود والبنوك، وهي في ذات الوقت تعبر عن توليفة السياسات المالية والنقدية والاستثمارية والعمالية والصناعية والتجارية وغيرها والتي من خلال تفاعلها تنتج المسار وخلطة التنمية. ولا بد لنا من استيعاب وفهم الروابط والتشابكات (التقاطعات) التي تحكم العلاقة بين المتغيرات من يؤثر ومن يتأثر، قبل الشروع في وضع حلول للاختلالات الواضحة التي يرزح تحت وطأتها الاقتصاد العماني والتي تمس جميع عوامل الانتاج.

وبإطلاق رؤية عمان 2040، يقف الاقتصاد العماني على مفترق طرق هام، وبظروف استثنائية تحمل الكثير من بذور النجاح تستلزم وجود حزمة من السياسات والتدخلات المدروسة والتي تستوجب أن تكون متزامنة ومتناسقة وتطبق بواسطة مؤسسات قوية، ويمثل اطلاق الرؤية فرصة سانحة لاتخاذ اجراءات إصلاحيه عميقة، تمس جميع عناصر الانتاج المتمثلة في القطاع المالي وسوق العمل والتنظيم المؤسسي، والتي تكفل تحقيق القفزة النوعية في النموذج والاليات التنموية المتبعة حاليا. وباستقراء الوضع الراهن لمختلف جوانب العملية التنموية في السلطنة، وبالنظر إلى المستقبل المتسم بدرجة عالية من عدم اليقين على مختلف الأصعدة. يتضح أن السلطنة في مرحلة حاسمة من مسيرتها التنموية، تتطلب توجه وسياسة اختراق عميقة للانتقال إلى طور ونسق جديد من النمو، تتشارك في ايجاده قاطرات ومحركات متعددة في مختلف مجالات التنمية، والاقتصادية تحديدا. ومن وجهة نظري أن طموحاتنا بتنويع القاعدة الاقتصادية وتحقيق الاستدامة المالية، لن تتحقق بالشكل والوقت اللازمين من قبل القطاع الحكومي المتضخم، أو القطاع الخاص الذي لا حيلة له في ظل صغر حجمه، واعتماده أصلا على القطاع الحكومي. أن تحدي ايجاد فرص عمل للأعداد المتزايدة من أبناء هذا الوطن لن يتأتى الا من خلال تحفيز الاقتصاد وتنويع قاعدته، إلا ان تحقيق ذلك يتطلب مقاربات جديدة تزبل العقبات وتوضح طبيعة التحديات العالقة بين القطاعين العام والخاص من خلال البناء على المزايا التنافسية للسلطنة.

أقدم في هذا المقام وصفة العبور إلى المستقبل – من وجهة نظر علمية هاجسها وطني- لمعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، والتي سيكون لها تداعيات غير محمودة في المستقبل المنظور. وهي وصفة تقدم حلولا جديدة لرفد الاقتصاد الوطني، وتحقيق التنويع والاستدامة المالية، إضافة إلى إيجاد فرص عمل منتجة ومجزية لأبناء السلطنة. إن وصفة العبور تقوم على التحول المبني على الاندماج والتعاون الدولي، من خلال الدخول في شراكات اقتصادية استراتيجية مع دول وشركات دولية وتركيز على زيادة الاستثمار الأجنبي في السلطنة، بما يعظّم حجم الاقتصاد، ويوسّع قاعدته الإنتاجية، ويخلق منظومة يعمل بها الجميع بتكامل وانسجام. إن الاستثمار الأجنبي المباشر المحمل برؤوس الأموال والمعرفة والتكنولوجيا والأسواق، سيمكّن السلطنة من اختراق تحديات الوضع الراهن، وتنفيذ التوجهات العامة للرؤية المستقبلية في 2040، والتي تنادي بواقع جديد جوهره التحول، والتكامل، والاندماج الأفضل للسلطنة مع العالم الخارجي المبني على الإدارة الذكية للموارد، والاستثمار الأمثل لمقومات السلطنة، ومنجزات مسيرة النهضة المظفرة، وطاقات الشباب، وصولا إلى تحقيق التنمية المنشودة.
والجدير بالإشارة، أنه تتنافس الدول على جذب الاستثمار الاجنبي المباشر للحصول على رؤوس الاموال المحملة بالتكنولوجيا والمعرفة والاسواق والادارة اللازمة لسد الفجوات التي تحد من تعظيم الاستفادة من الموارد والفرص المحلية، حيث وعلى الرغم من أن السلطنة تمتلك العديد من المقومات والفرص والموارد كجبال تكتنز معادن وبحار بها مخزون كبير من الاسماك وارض طيبة صالحة للزراعة وموقع جغرافي متميز بين مفترق الطرق التجارية وعدد مناسب من السكان معظمه من الشباب. الا ان تلك المقومات والفرص والمورد ستضل كما هي ما لم يتم التعامل معها وتعظيم الاستفادة منها من خلال الدخول في شراكات استراتيجية مع دول أو شركات دولية في القطاعات ذات الميزة التنافسية المستهدفة. هذا، وتتعدد العوامل التي تعزز نجاح هذا الوصفة ويأتي في مقدمتها جاهزية البنى الاساسية وتوافر الموارد الطبيعية والبشرية ووجود الاتفاقيات التجارية والاستثمارية الثنائية بين السلطنة ودول العالم، ووجود صناديق استثمارية مشتركة يمكن الاستفادة منها لهذا الغرض، هذا إضافة إلى أن دورة الأنشطة الاقتصادية المحلية تعتمد بشكل كبير على استيراد السلع والخدمات لتلبية الطلب المحلي والتي يمكن إنتاجها محليا بوجود الشريك الأجنبي المناسب.

كما أن النجاح في مسار الشراكات الدولية يتطلب استخدام العديد من الادوات من بينها برنامج علاقات عامة لترويج للسلطنة كوجهة استثمارية يتبنى استراتيجية متغيرة. وتعظيم الاستفادة من الدبلوماسية وادوار السفارات سواء العمانية بالخارج أو الاجنبية في الداخل. كما أن هناك دور مهم للبنوك الدولية في السلطنة ومحاولة اجتذاب بنوك ومؤسسات مالية قادرة على تقديم ادوات جديدة ولها قاعدة عريضة من العملاء. الاستفادة من مكاتب الاستشارات الادارية والاقتصادية والقانونية المحلية والدولية. وكذلك الاستفادة من العدد الجيد من السياح كأدوات لتسويق السلطنة استثماريا.وكما نكرر دائما أن الوصول الى التنمية المستدامة ليس سهل المنال ويتطلب فهما عميقا لعلم الاقتصاد السياسي وتشابكاته والتي هي شبيه الى حد كبير بجسم الانسان في شرايينه وأوردته. وكما يقال ان قرار الطبيب له تأثير على مريض واحد، أما القرار الاقتصادي فله تأثير على كل افراد المجتمع. وختاما، أود التأكيد على أن القدرة على اجتذاب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات الأجنبية المباشرة ليس ضرورة مالية، من أجل سد الفجوة الحاصلة في إيرادات السلطنة نتيجة لتراجع أسعار النفط، بل هي كذلك ضرورة تنموية لربط الموارد والمقومات وتكملة النقص في التكنولوجيا والمعرفة والوصول الى الاسواق والتي تمثل عناصر ضرورية لتعظيم الاستفادة من الجاهزية وتركيز كل الجهود لعمل اختراق للوضع الراهن والدفع نحو مزيد من التنويع الاقتصادي وتوفير فرص العمل للشباب وتعزيز القدرة التصديرية للبلاد. وأخذا في الاعتبار كل ما ذكر، لم يعد انتقال عمان إلى نموذج وآليات جديده للنمو خيارا؛ بل ضرورة، تفرضها التحديات الآنية والمستقبلية وتمكّنها الجاهزية والمقومات الكبيرة للسلطنة وتتطلب ادارة ذكية للموارد وربط نقاط القوة والمقومات ضرورية لخلق واقتناص الفرص، وذلك من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر، والشراكات المدروسة قاعدة أساسية لتوسيع الإنتاج، وخلق فرص عمل. وايجاد منظومة يعمل الجميع بتكامل وانسجام مع مفردات ومقاربات جديدة تركز على زيادة الاستثمار المحلي والاجنبي وتعزيز الصادرات وتهيئة بيئة الاعمال، الإرادة، الثقة، الابتكار، الإبداع، الشغف، العزيمة، المبادرة، والشراكة.