كمبوديا في حضن الصين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٧/أغسطس/٢٠١٩ ١٥:٥١ م
كمبوديا في حضن الصين

سام رينسي

كان التخوف من اعتماد كمبوديا المتزايد على الصين قائما منذ فترة طويلة ــ فهي أكبر مصدر للمعونات التي تتلقاها، وأكبر مستثمر فيها ودائن لها ــ فهذه الحال من شأنها أن تسمح بتواجد عسكري صيني في كمبوديا. ويشير تقرير حديث نشرته صحيفة وال ستريت جورنال إلى أن هذه المخاوف بدأت تتحقق الآن. فمثلها كمثل مقامر يعتمد على مراب يقرضه بفائدة فاحشة، كدست كمبوديا في السنوات الأخيرة قدرا هائلا من الديون الغامضة غير الشفافة المستحقة للصين، والتي لن تتمكن من سدادها. وقد منح هذا الصين قدرا كبيرا من النفوذ، والذي مكنها على سبيل المثال من التهرب من تعريفات الرئيس الأميركي دونالد ترمب التجارية، من خلال إعادة توجيه الصادرات إلى الولايات المتحدة عبر منطقة سيهانوكفيل الاقتصادية الخاصة التي تمتلكها الصين في كمبوديا.

إذا حكمنا من خلال تاريخ الصين من «دبلوماسية فخ الديون»، فسوف يتبين لنا أنها كانت مسألة وقت لا أكثر قبل أن تستخدم نفوذها على كمبوديا لتعزيز وضعها العسكري الإقليمي. ووفقا لصحيفة وال ستريت جورنال، فإن ذلك الوقت حان هذا الربيع، عندما وقعت الصين وكمبوديا سرا على اتفاق يمنح الصين حقوقا حصرية لجزء من قاعدة ريام البحرية في كمبوديا على خليج تايلاند. تنكر الحكومتان الصينية والكمبودية ما ورد في التقرير، الذي وصفه رئيس الوزراء الكمبودي هون سِن بأنه «ملفق» و»لا أساس له من الصحة». لكن لا ينبغي لهذا أن يكون مفاجئا: فكما لاحظ هون سِن، فإن استضافة قواعد عسكرية أجنبية أمر غير قانوني في كمبوديا، وفقا لاتفاقيات باريس للسلام التي أنهت الحرب الأهلية الطويلة في كمبوديا. علاوة على ذلك، كما أشارت وزارة الخارجية الأميركية، فإن كمبوديا ملتزمة دستوريا تجاه شعبها بالحفاظ على سياسة خارجية محايدة.

ولكن من منظور هون سِن، هناك سبب وجيه لتجاهل هذا الالتزام، والذي يتمثل في بقائه السياسي. وقد سئم الشعب الكمبودي، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، من القيادة الاستبدادية الفاسدة المتمثلة في رئيس الوزراء الأطول خدمة على مستوى العالم. لكن النظام الكمبودي تصدى حتى الآن لهذه المقاومة من خلال شن حملة قمعية صارمة ضد المعارضة. وفي الانتخابات الصورية التي جرت العام الفائت، فاز حزب الشعب الكمبودي بقيادة هون سِن بكل المقاعد في البرلمان، بعد حل حزب المعارضة الرئيسي، حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي (الذي شاركت في تأسيسه وأتولى قيادته بالنيابة).
يعلم هون سِن أنه بوصفه حليفا للصين يكتسب حماية قوية ضد القوى المحلية المعادية. ويبدو أن حساباته خلصت إلى أن هذه النتيجة أعظم قيمة من دعم الشعب الكمبودي، الذي يمقت قسم كبير منه الوجود التجاري الصيني المتنامي، والذي لا يستفيد منه سوى نخبة محددة. الواقع أن الجهود التي يبذلها هون سِن لدعم نظامه باهظة التكلفة، ولن يتكبد هذه التكلفة الشعب الكمبودي فقط. ذلك أن قاعدة ريام البحرية ستوفر للصين نقطة انطلاق مناسبة لممارسة التنمر على البلدان المجاورة أو حتى مهاجمتها، وبالتالي تعزيز قدرتها على فرض مطالباتها الإقليمية ومصالحها الاقتصادية في بحر الصين الجنوبي. ومن الواضح أن إحكام قبضة الصين على المسارات التي يمر عبرها ثلث الشحن البحري العالمي يثير مخاطر واضحة للولايات المتحدة وأوروبا.
الواقع أن القاعدة الكمبودية تثير القلق بشكل خاص، لأنها ستكمل محيطا عسكريا صينيا حول البر الرئيسي لجنوب شرق آسيا، مما يثير شبح «ستار حديدي» جديد يجعل المنطقة بأسرها تحت رحمة الصين. في أيام الحرب الباردة، زعمت «نظرية الدومينو» أن وقوع دولة واحدة تحت نفوذ الشيوعية يعني أن الدول المجاورة سوف تتبعها قريبا بالضرورة.
كما زعم المحلل العسكري تشارلز إيدل، فإن باكستان وسريلانكا وفيتنام تتوفر لديها موانئ المياه العميقة التي يمكن أن تخدم التوسع البحري الصيني وتعمل على تقييد قدرة الغرب على الوصول إلى أجزاء رئيسية من المحيطين الهندي والهادي.
لكن توسع الصين الخطير ليس حتميا وليس من المستحيل إيقافه: فهو يعتمد على الأنظمة المحلية المذعنة والتقاعس من جانب المجتمع الدولي. وفي حالة كمبوديا، ينبغي للمجتمع الدولي أن يطالب بإجراء انتخابات عامة جديدة لا تقصي المنافسين الحقيقيين. ومن خلال عملية ديمقراطية جديرة بالثقة، يصبح بوسع الشعب الكمبودي أن يتخلص من نظام هون سِن الذي يتجاوز زمنه تاريخيا وأن يقيم نظاما يحترم سيادة القانون ويدافع عن مصالحهم ــ بدءا برفض أي اتفاق يسمح للصين بترسيخ قوتها العسكرية في كمبوديا.

وزير المالية الكمبودي في الفترة من 1993 إلى 1994 ، هو المؤسس المشارك ورئيس حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي المعارض ويعيش في المنفى