العيد بالخارج!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٨/أغسطس/٢٠١٩ ١٥:٥٥ م

علي المطاعني

من الظواهر الإجتماعية الجديدة والمقلقة والتي طفحت على السطح في السنوات الاخيرة ظاهرة (العيد بالخارج)، ضربت بعرض الحائط بالسنن والأعراف والتقاليد المتوارثة أبا عن جد إزاء التمسك بالقيم الحميدة في الإحتفاء بعيدي الأضحى والفطر كما يحب ربنا ويرضى، وكما فصلهما لنا شرحا وإيجازا في الكتاب والسنة، وهما بالتالي لايخضعان للحداثة ولا للتطوير والتحسين والتجويد، فهما في قمة الإبداع الرباني ويكتنزان بالمعاني والمواقف الموصوفة بدقة في القرآن الكريم، وما إجترار قصة جد المصطفى صلى الله عليه وسلم في عيد الأضحى إسماعيل عليه السلام نعني إلا تأكيد على أن المسألة فيها من القداسة مايكفي، ولن تغدو عبثا في يوم من الأيام أبدا، وإن الإقتداء بها هو مايتعين علينا فعله إلى يوم الدين، فإن لن نفعل فإننا في الواقع قد إرتكبنا أخطاء جسيمة بحق ديننا الإسلامي الحنيف، ومن ناحية أخرى فإننا نكون قد بذرنا بأيدينا البذرة التي تعمق الفجوة الأخذة في الإتساع أصلا بين الإجيال، وبالتالي نكون قد سمحنا لغبار الإندثار بأن يغطي أهم موروثاتنا الدينية وتقاليدنا في الاعياد ونبعد الناشئة عن ولاياتهم وقراهم وعن كل هذه الموروثات الخالدة، فينفرط عقد الأسر التي تتلاقي في هذ المناسبات مع الأباء والأخوان والأعمام والخلان لإحياء أيام وليالي أعيادهم ويبتهجون ويتبادلون أهازيج الأفراح والمسرة، وفي تلك الأجواء ينهل أطفالنا من ينابيع هذا الحنان الذي يتجلي فيقدمونه هم لأبناءهم عندما يكبرون وهكذا تمضي عجلة الحياة مترابطة ومتسقة وتحمل معها عبق أصالة الأعياء إلى ماشاء الله.

وبما أن الأمر كذلك فإنه يتطلب من البعض إعادة حساباته بشأن قضاء العيد في الخارج، فالعيد في الوطن هو العيد المعترف به إجتماعيا وأسريا، هو للأهل والأقارب والأعزاء والأخوة والجيران وأهل الحي.

سيظل للعيد ذكريات وحكايا تروى وتقال من الكبار لتلتقطها آذان الصغار، وتحكى كلها وجميعها تندرج في إطار الفرح الذي ينساب ليغطى الوجوه والأمكنة والطرقات وحتى جدران وأبواب المنازل، هنا يفرد الفرح الأصيل جناحية لتغطيا السماء طولا وعرضا.

وفي خضم كل ذلك فإن أصل الإبتهاج نابع من ثقة في الله كاملة بأنه قد قبل الصوم في شهر رمضان المبارك باكتمال فرحة الصائم، وأثنى على جهد الذين نحروا الأضحيات إقتداء بما فعله إبراهيم عليه السلام، عندما أطاع أمر ربه بذبح إبنه الوحيد إسماعيل عليه السلام فوصفه الله عز وجل في الآية 37 من سورة النجم بأنه (وفى)، كلمة واحدة غير أنها تمثل قمة سنام الإشادة من رب رحيم لعبد مطيع، وبما إنه قد وفى فقد جاء العطاء الإلهي كاملا في الآية 107 من سورة الصافات (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)

فالموقف المهيب نجده ماثلا أمامنا في الآية 102 من سورة الصافات (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
فكل هذه المعاني والدلالات العظيمة نتوقف عندها في العيد الاضحى وهي بالقطع ليست عبثا ولا ترفا ولا لكي نتخذ من عطلاتها مناسبة للقيام برحلات سياحية للترويح عن النفس، تلك غايات لا مكان لها هنا على الإطلاق.
والذين إتخذوا هذه الأعياد هزوا وسافروا للخارج في رحلاتهم السياحية، فإنهم يعتقدون بأن رسائلهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي المهنئة للأهل بالعيد كافية لإعطاء العيد حقه من الجلال والإكبار هم بالقطع واهمون، فلقد قصروا في مناسبات موصوفة في كتاب الله عز وجل بالتفصيل لنقف لها إجلالا واقعيا بمعايشتها وليس بهجرانها والإعراض عنها كأنها عرض في الحياة لا قيمة له ولا وزن، تلك أخطاء فادحة العواقب بكل المقاييس، فماذا يمكننا أن نقول إزاء هذه التصرفات التي لاتمت للدين الحنيف ولا للأعراف والتقاليد بصلة.
نأمل أن نعيد حساباتنا حيال نظرتنا السطحية القاصرة تجاه هذه المناسبات الدينية المقدسة، وأن نسعى جاهدين لغرسها في نفوس أبناءنا وبناتنا، وذاك هو السبيل الأوحد لكل تظل هذه المناسبات كالأعلام تخفق في سماوات حياتنا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.