طموحات البرلمان الأوروبي الخاطئة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢١/أغسطس/٢٠١٩ ١٥:٠٢ م
طموحات البرلمان الأوروبي الخاطئة

آنا بالاسيو

أثناء مرحلة الانتقال السياسي، تُحدث العلامات الأولية جميع الفوارق، لأنها تحدد ميزات العملية التي ستليها. ومع تولي القادة الجدد للمؤسسات الأساسية للاتحاد الأوروبي، فإن العلامات الأولى ليست واعدة- خاصة تلك القادمة من البرلمان الأوروبي.

ويمر الاتحاد الأوروبي بعملية الخلافة هذه في وقت تحاصره التحديات الداخلية والخارجية المعروفة: فالضغوط الديموغرافية، والاجتماعية، والاقتصادية تتزايد، في حين أن أوروبا هي رقعة شطرنج جيوسياسية، تلعب عليها القوى العالمية أكثر من كونها لاعبة في حد ذاتها. ومع ذلك، في وقت تشتد فيه حاجة الاتحاد الأوروبي إلى القدرة على العمل بفعالية، وإلى رؤية واقعية، ولكنها تَطَلعية، يبدو أنه ببساطة يشارك في مزيد من المناورات السياسية. وهذه نقطة الصفر، بالنسبة للبرلمان الأوروبي.

وهذه هي رسالة عملية التأكيد لرئيس المفوضية الأوروبية الجديد- وهي عملية بدأت في وقت مبكر من يوليو، عندما عين المجلس الأوروبي أورسولا فون دير لين في هذا المنصب. وكانت فون دير لين مرشحًة وسطا بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كما أنها كانت مقبولة لدى كل من أقوى الدول، والمفسدين التقليديين. ولديها العديد من نقاط القوة، لاسيما فهمها العميق للسياسات الأوروبية في مجال الدفاع والأمن، وهو موضوع سيحظى بالأولوية في ولاية الاتحاد الأوروبي المقبلة. لقد أثبتت أيضًا قدرتها على التنقل في المياه السياسية الصعبة. ولكن بالنسبة للبرلمان الأوروبي، لم يكن ترشيح فون دير لين مرحبًا به، لأن اسمها لم يكن في قائمة المرشحين التي أعلن عنها مسبقًا.

ووفقًا لنظام المرشح الأوفر حظا الذي يعتمده البرلمان الأوروبي، يجب على المجلس الأوروبي أن يعين «المرشح الرئيسي» من المجموعة السياسية الحائزة على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات الأوروبية. ووُضعت هذه العملية من قبل المطلعين في بروكسل قبل انتخابات 2014، لتكون وسيلة للحصول على نفوذ للبرلمان الأوروبي يكون أكبر مما تنص عليه معاهدات الاتحاد الأوروبي. وعندما تجاهل المجلس النظام (غير الملزم)، أعرب أعضاء البرلمان- الذين يجب أن يوافقوا على رئيس المفوضية بالأغلبية المطلقة- عن غضبهم. وهدد البرلمان بعرقلة التعيين، وأصبح ترشيح فون دير لين رهينا بنظام لم يعد ينسجم مع الواقع.
وعندما طُور نظام المرشح الأوفر حظا، وسلطات تأكيد البرلمان الأوروبي، سيطرت مجموعتان سياسيتان على البرلمان: حزب الشعب الأوروبي، والاشتراكيون والديمقراطيون. واليوم، لا تتمتع هاتان المجموعتان إن اجتمعتا بالأغلبية؛ بل تشغل كل خمس مجموعات على الأقل 10٪ من المقاعد، ولا تشغل أي مجموعة أكثر من 24٪.
وفي الأسبوع ما قبل التصويت البرلماني، انتزعت المجموعات السياسية تنازلات معينة. إذ بالنسبة لليبراليين، الذين قاوموا ترشيح فون دير لين، وعدت هذه الأخيرة بجعل مرشحتهم عن طريق نظام المرشح الأوفر حظا، مارجريث فيستاجر، نائبة رئيس اللجنة الجديدة، إلى جانب نائب الرئيس الحالي (مرشح آخر عن طريق نظام المرشح الأوفر حظا) ، فرانس تيمرمانز.
وبالنسبة للاشتراكيين الذين قاوموا بنفس الطريقة، تعهدت فون دير لين بسن تشريعات لتحديد حد أدنى عادل للأجور في جميع دول الاتحاد الأوروبي. ولكن حتى مع هذه التسويات، ما زال يتعين عليها عقد صفقات مع حركة النجوم الخمسة الإيطالية التي تشك في الاتحاد الأوروبي، ومع مناصري البريكسيت في المملكة المتحدة.
وعلى نطاق أوسع، تعهدت فون دير لين، بدعم المبادرات التي من شأنها تعزيز سلطة البرلمان الأوروبي، بما في ذلك نظام المرشح الأوفر حظا. والأهم من ذلك أنها وعدت بمساعدة الجهود التي يبذلها أعضاء البرلمان الأوروبي لتأمين الحق- المحفوظ الآن بموجب معاهدة اللجنة- في بدء التشريع. وهذا الحق هو دعامة توازن القوى المؤسسي الحالي للاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، حصلت فون دير لين على أغلبية ضعيفة جدا. ربما، إن صح الأمر، كان خطابها الأول أموميا بالكامل تقريبا، كما أنها ألقته على الطريقة الأمريكية- وكان مليئا بالمراجع الشخصية غير الواضحة، وبأسطر مسجلة بشأن أوروبا. ولم تُشر إلى الوعي بالنتائج المحتملة لتنازلاتها: أنها ستجعل الاتحاد الأوروبي أقل فعالية.
ومع ذلك، فإن البرلمان الأوروبي غير مستقر. وعلى الرغم من كونه مجزئا، فإنه يظهر الوحدة في الاستمرار في الوصول إلى مزيد من السلطة- وهذا في وقت يتسم بالنزعة الحكومية الدولية الواضحة، حيث تملي العواصم الوطنية عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي. وقد أصبح من الواضح بشكل كبير في السنوات الأخيرة أن المبادرات الجذابة ظاهريًا- مثل النقابات المصرفية ونقابات الطاقة- لا تصل إلى أي مكان دون قبول من الدول الأعضاء.
وحصل البرلمان الأوروبي على صلاحياته الحالية عن طريق شق طريقه نحو ما هو ذي صلة، ونحو المعاهدات. وقد نجح بشكل ملحوظ في القيام بذلك، حيث انتقل من جمعية برلمانية كانت أكثر من مجرد واجهة إلى مؤثر ومشرع كامل الحقوق. ولكن الآن وبعد وصوله، يجب على البرلمان تجاوز مرحلة التوسع هذه، والبدء في إظهار قيادة حقيقية.
إن منح البرلمان الأوروبي مزيدًا من السلطة، على حساب المجلس وخاصةً المفوضية، لن يؤدي إلا إلى إضعاف قدرة الاتحاد الأوروبي على تطوير السياسة وتنفيذها، مع تحويل ميزان المؤسسات المؤسسي الهش والأساسي. وسيغذي ذلك لعبة اللوم المتكررة في أوروبا، حيث تنتقد الحكومات الوطنية السياسات الخاطئة على مستوى الاتحاد الأوروبي، وانتقدت هيئات الاتحاد الأوروبي التنفيذ الضعيف على المستوى القُطري. وستوفر الفجوة الناتجة بين التوقعات والأداء، دعماً إضافياً للمزاعم التي تقول أن الاتحاد الأوروبي مؤسسة غير فعالة، ومغرورة.
إن البرلمان الأوروبي هو اليوم مؤسسة ناضجة. ويجب أن يُظهر هذا النضج، ليس عن طريق استعراض عضلاته، والقتال من أجل المزيد من الأراضي، ولكن عن طريق تزويد الاتحاد الأوروبي بالرؤية، والتوجيه المطلوبين بشدة. و تحتاج أوروبا إلى قادة. ويمكن أن يكون البرلمان الأوروبي هذا القائد، لكن القيادة الجيدة تتطلب التواضع والتضحية، وقبل كل شيء، الاستعداد لوضع مصالح أوروبا قبل المصالح الشخصية.

شغلت سابقا منصب وزيرة خارجية أسبانيا، ونائبة الرئيس والمستشارة العامة لمجموعة البنك الدولي. وهي الآن محاضرة زائرة في جامعة جورج تاون.