أمريكا بين الهند وباكستان

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢١/أغسطس/٢٠١٩ ١٥:٠١ م
أمريكا بين الهند وباكستان

ريتشارد هاس

عبارة ترجيح كفة الميزان أو كلمة مَيللها تاريخ في جنوب آسيا. منذ ما يقرب من نصف قرن، تعاملت حكومة باكستان بقسوة مع مواطنيها في الجزء الشرقي من البلاد. وتدفق ملايين اللاجئين إلى الهند التي حشدت قواتها المسلحة على الحدود. هجوم باكستان كانت له ردة فعل قوية من الهند. تلا ذلك حرب واسعة النطاق. وعندما انتهت الحرب، أصبحت باكستان مجزأة، وأصبح الجزء الشرقي منها دولة بنغلاديش المستقلة.

شاهدت الحكومة الأمريكية هذه الأحداث بقلق. و لم تؤخذ مطالبة الهند بعدم الانحياز على محمل الجد، وحكم الرئيس ريتشارد نيكسون ومستشار الأمن القومي هنري كيسنجر بأن فوز الهند كان مكسبا للاتحاد السوفيتي. بالإضافة إلى ذلك، وقع نزاع جنوب آسيا في وقت كانت فيه الولايات المتحدة (بمساعدة باكستان) تسعى لإقامة علاقة مع جمهورية الصين الشعبية. خشي نيكسون وكيسنجر أن تتراجع مصلحة الصين إذا بدت الولايات المتحدة غير مستعدة للوقوف في وجه الهند، وهي دولة يدعمها السوفيت وبلد خاضت معه الصين حرباً قبل عقد من الزمن. أرسلت الولايات المتحدة حاملة طائرات إلى خليج البنغال، ظاهريًا لردع المزيد من العمل العسكري الهندي، ولكن في الواقع كإشارة على الدعم الأمريكي لباكستان. لم يغير استعراض القوة مسار الأزمة، لكن قرار الولايات المتحدة بالميل نحو باكستان (وهي عبارة وصلت إلى الصحف) كان له أثر سيئ في الهند لعقود مقبلة.

استمرت الولايات المتحدة في تفضيل باكستان في أعقاب حرب 1971. كانت باكستان شريكًا مقربًا لأمريكيًا في الجهود التي بذلتها لرفع التكاليف التي تكبدها الاتحاد السوفيتي عن احتلاله لأفغانستان، حيث تعاونت مع الأمريكيين لتسليح المعارضة الأفغانية المحلية. ولكن مع نهاية الوجود العسكري السوفيتي في أفغانستان في فبراير 1989 - ونهاية الحرب الباردة بعد أشهر فقط - اختارت الولايات المتحدة إعادة النظر في موقفها تجاه كل من الهند وباكستان. سعى الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون إلى تحسين العلاقات مع الهند، بسبب نمو الاقتصاد الهندي، وديمقراطيته القوية، والأهمية المتزايدة للمجتمع الهندي الأمريكي. في الآونة الأخيرة، أصبح ينظر إلى الهند في بعض الأوساط كشريك محتمل في تحقيق التوازن مع الصين الصاعدة. في الوقت نفسه، تدهورت علاقات الولايات المتحدة مع باكستان، في البداية بسبب برنامجها النووي، وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، وأيضًا بسبب علاقتها بطالبان والمتطرفين الآخرين.
والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان التفكير في واشنطن العاصمة بدأ يتطور مرة أخرى نحو «مَيل آخر» للولايات المتحدة. بعد قرابة عقدين من التضحيات، تبحث الولايات المتحدة عن مخرج من أفغانستان، وباكستان، التي وفرت ملاذًا لحركة طالبان، وعن سبل سحب قواتها دون تمكين الحركة من الإطاحة بالحكومة الأفغانية. في الوقت نفسه، هناك شعور بخيبة أمل من الهند بشأن سياساتها التجارية.
وبالمثل، لن يكون من الحكمة عزل امريكا للهند. نعم، للهند تقليد في السياسات التجارية الحمائية وغالبا ما يحس صناع القرار في الولايات المتحدة بالإحباط بسبب ترددها في التعاون الكامل في القضايا الاستراتيجية. لكن الهند الديمقراطية، التي ستتفوق على الصين قريبًا كأكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان وستتميز بخامس أكبر اقتصاد في العالم، تعتبر رهانًا جيدًا على المدى الطويل. إنها شريك طبيعي للمساعدة في تحقيق التوازن مع الصين. رفضت الهند المشاركة في مبادرة الحزام والطريق الصينية، بينما تبنتها باكستان التي تعاني اقتصاديًا.
ولن يكون من الحكمة للولايات المتحدة السباق من أجل الخروج من أفغانستان. تبدو محادثات السلام مع طالبان في الغالب وسيلة لإخراج القوات الأمريكية من البلاد. تذكرنا العملية بفيتنام ، حيث وفر اتفاق سنة 1973 بين الولايات المتحدة وفيتنام الشمالية ذريعة للانسحاب الأمريكي من الجنوب ولكن لم يشكل أساسا للسلام.
بدلاً من تبني الخيال، يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في الاحتفاظ بعدد متواضع من القوات في أفغانستان لضمان بقاء الحكومة وعدم تحول البلاد مرة أخرى إلى ملاذ إرهابي. المطلوب هو استراتيجية التحمل، وليس استراتيجية الخروج، بناءً على الظروف المحلية، وليس الأجندات السياسية. كما كان الحال منذ فترة طويلة، فإن جنوب آسيا هي في أفضل الأحوال منطقة يجب إدارتها، وليست مشكلة يتعين حلها.

ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، شغل سابقا منصب مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية (2003-2001)