وظائف جيدة للعمال ذوي الإعاقة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٥/أغسطس/٢٠١٩ ١٣:١٨ م
وظائف جيدة للعمال ذوي الإعاقة

براين مليكة

لا يمنح التوظيف راتبا فقط، بل أكثر من ذلك. فهو يضمن استقلالا شخصيا، ووضعا اجتماعيا، واحتراما للذات نتيجة هذه المكاسب. وبالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، فهذه المكاسب لها قيمة استثنائية- وصعبة المنال بشكل خاص.

وتماشيا مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وافق العالم على «تشجيع العمالة الكاملة، والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع» مع حلول عام 2030. وبالنسبة لبلد شاب مثل كينيا، حيث تتراوح أعمار 21٪ من السكان بين 19 و24 عامًا، فإن الأمر طارئ فيما يتعلق بالتقدم، حتى يتحول تضخم الشباب إلى عائد سكاني. ولكن مع إخفاق جدول أعمال أهداف التنمية المستدامة في الاعتراف بذلك، فإن النجاح سيكون مستحيلاً دون مواجهة التحديات الفريدة، والهائلة التي يواجهها العمال ذوي إعاقة.

وفي البلدان المتقدمة، يعاني 50 إلى70٪ من الأشخاص ذوي إعاقة في سن العمل من انعدام فرص العمل. ففي المملكة المتحدة، تشير دراسة أجريت عام 2017 إلى أن الباحثين عن عمل ذوي إعاقة يقدمون طلبات عمل أكثر من نظرائهم غير المعاقين بنسبة 60٪ قبل أن يحصلوا على وظيفة. وتُفضي 51٪ فقط من الطلبات المقدمة من الأشخاص ذوي الإعاقة إلى مقابلة، مقارنة مع 69٪ المقدمة من الأشخاص غير المعاقين.
وفي العالم النامي، يكون سوق العمل أقسى على الأشخاص ذوي إعاقة، الذين يعاني 80٪ إلى 90٪ منهم من عدم توفر فرص العمل لهم . ففي الهند، على سبيل المثال، حصل حوالي 100000 فقط من حوالي 70 مليون شخص من ذوي الإعاقة على وظائف رسمية في القطاع الخاص.
وهذا ناتج إلى حد ما، عن التمييز الذ يمارسه أرباب العمل، الذين قد يفترضون أن العمال المعاقين أقل إنتاجية، أو أنهم سيزعجون ويضايقون العمال غير المعاقين أثناء العمل سوية. وقد يتوقع أصحاب العمل أيضًا أن يكلف العمال المعاقون أكثر. وهذا هو الحال بالتأكيد في كينيا، حيث يتعين على الشركات قانونًا تلبية احتياجات الموظفين المتعاقدين ذوي إعاقة.
ولكن العمال المعاقين يواجهون عراقيلا تمنعهم من الحصول على العمل قبل دخولهم إلى سوق الشغل بكثير. إذ في كينيا، تفيد منظمة التطوع في الخارج التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، بأن الأشخاص ذوي إعاقة غالباً ما يكافحون لإكمال تعليمهم، وذلك بسبب عوامل مثل المكتبات التي يتعذر الوصول إليها، ونقص المعلمين ذوي تكوين في العمل مع المعاقين. إذ هناك معلم واحد فقط لكل 105 طفل يعانون من إعاقات عاطفية في كينيا، مقارنةً مع معلم واحد لكل 35 طالب دون إعاقة، مما يعني أن المعلم الذي أشرنا إليه أولا، ربما يحظى باهتمام شخصي أقل بكثير، مما يؤدي إلى جودة تعليمية أقل.
وفضلا عن ذلك، قد لا يتعلم الأشخاص المعاقون مهارات رئيسية أخرى، مثل كيفية التواصل بفعالية، حتى ولو اكتسبوا الكفاءة التقنية التي تؤهلهم لشغل منصب ما. تخيل أن امرأة كينية تبلغ من العمر 19 عامًا تعاني من طيف التوحد، و من اضطراب قلق شديد تسعى للحصول على عمل. فحتى لو كانت تمتلك مهارات في الترميز والطباعة، فإن عدم قدرتها على إبراز تلك القدرات في مقابلة عمل ما، يُضعف كثيرا فرصها في التوظيف.
إذا، لا يتطلب تحسين فرص العمل للأشخاص ذوي الإعاقة توفير تعليم جيد يتناسب مع احتياجاتهم فقط، بل يتطلب أيضًا تقديم مبادرات أخرى، مثل توفير تدريب خصوصي على العمل. إذ سيعمل المدربون على العمل مباشرة مع الأشخاص ذوي الإعاقة لأخذ فكرة عن قدراتهم، واهتماماتهم، وإمكاناتهم، وفي نفس الوقت إشراك أرباب العمل، وإخبارهم بالمرشحين الواعدين. ومن شأن هذا أن يسمح للمعاقين بتجاوز عملية المقابلة التي سيصارعون فيها من أجل الأداء الجيد، مع طمأنة أرباب العمل بأن المرشح المعاق لن يكون اختيارًا بالغ الخطورة أو عالي التكلفة.
ويمكن أن يساعد المدربون على العمل أيضًا على التفاوض بشأن شروط عقد الموظف الجديد، عن طريق ما يسمى بالتوظيف المخصص، والذي يضفي الطابع الشخصي على علاقة العمل، لضمان تلبيتها لاحتياجات كل من الموظف وصاحب العمل. فعلى سبيل المثال، قد تنجز تلك المرأة البالغة من العمر 19 عامًا المصابة بالتوحد، عملا أفضل من المنزل. ونظرًا لأن جميع مهامها تتم عبر الإنترنت، فسيكون ذلك ممكنًا تمامًا، مع أن الشركة قد تضطر إلى توفير وسائل معقولة، مثل السماح لها بأخذ حاسوبها المحمول إلى المنزل، والتأكد من أن لديها اتصال بالإنترنت هناك.
وإضافة إلى تعزيز الرضا الوظيفي للموظف وإنتاجيته، قد يوفر هذا الاتفاق أموال الشركة، حيث لم تعد بحاجة إلى تلبية احتياجات تلك المرأة في مكان العمل. ويمكن أن تساعد الوظائف المخصصة أيضًا في تجنب الاحتكاك بين العمال ذوي الإعاقة وزملائهم.
وسيتطلب تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الازدهار في سوق العمل، التعاون بين العديد من حاملي الأسهم، بما في ذلك الشركات الخاصة، والمدارس، و صناع السياسات. وهناك حلول واعدة متاحة. ولكن إذا ما أريد أن أن يَسري مفعولها في الوقت المناسب، لتحقيق الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة- وبالنسبة لكينيا، لتسخير تضخم الشباب- فقد حان الوقت للبدء في تطبيقها.

أخصائي اجتماعي ومستشار في الصحة الإنجابية ومؤسس One More Percent ، وهي منظمة غير ربحية تعمل على تحسين صحة الشابات والفتيات