صندوق الاحتياطي ضمانة للمستقبل

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٩/سبتمبر/٢٠١٩ ١٥:٠٦ م
صندوق الاحتياطي ضمانة للمستقبل

علي المطاعني

النتائج الإيجابية لإستثمارات صندوق الإحتياطي العام للدولة في عام 2018 م، حافظت على متوسط العائد البالغ 7 % منذ تأسيسه، ذلك يعد انجازا على العديد من الأصعدة والمستويات في ظل الظروف الإقتصادية التي يشهدها العالم، وإذ نرى نتائج الإستثمارات العالمية في كل القطاعات وقد تراجعت الى مستويات كبيرة.

فما حققه الصندوق في ظل تلك المعطيات العالمية يبعث على الإرتياح، وذلك يتطلب تنويع الإستثمارات الداخلية والخارجية وتنويعها دوليا وإقطاعيا لتوزيع وتفتيت المخاطر، فضلا عن البحث عن إستثمارات مجدية تسهم في رفد عوائد الصندوق وإستثماراته لتصب في جهود الحكومية الهادفة لتنويع مصادر الدخل وتنمية الإيرادات الغير النفطية.

فصندوق الإحتياطي للدولة يمثل اهمية كبيرة للدولة والشعب العماني ودائما ما تتجه إليه الأنظار بإعتباره الرافد الأهم للميزانية العامة للدولة لتغطية العجز في الموازنات السنوية خاصة خلال السنوات الفائتة من خلال السحب منه كما يعلن، كما أنه الضامن للأجيال القادمة كصناديق سيادية تعمل الدول على تنميتها وتعزيزها لتتصدى لمقبلات الأيام الحالكة لياليها، أو كما يقال شعبيا (ضم القرش الأبيض لليوم الأسود)، على ذلك فإن النهوض به يعد خيارا يتجاوز كل الخيارات الوطنية والإقتصادية التي يتطلب أن تُهيأ له كل السبل لمواصلة دوره الإستراتيجي لبناء إحتياطيات مالية كافية وإستثمارات إقتصادية متينة.

ومما يسعد القلب أن إستثمارات الصندوق ماضية في تحقيق تطلعات الحكومة والمواطنين في بناء إحتياطيات آمنة من خلال العديد من الخطوات الهادفة لبناء القدرات المالية بإستثمارات متنوعة تسهم سنويا في تحقيق أرباح تضاف إلى خزينة الصندوق، فتحقيق عائد سنوي للإستثمارات في المتوسط منذ التأسيس بنسبة 7 % يعد أداءً ايجابيا في كل الاحوال.

ان سياسية الإفصاح التي يتبعها الصندوق عن نتائج إستثماراته وعوائدها تعد في حد ذاتها تطورا مهما، رغم عن ان معظم الصناديق السيادية في العالم لا تحبذ هكذا افصاح، فباستثناء الصندوق النرويجي، لا تفصح باقي الصناديق عن نتائجها حيث ان ما يتم نشره في الغالب عن احجام ونتائج الصناديق عبارة عن تقدير تقريبي من مؤسسات اعلامية ومالية متخصصة، ولا يمثل افصاح من تلك الصناديق، الا ان صندوق الاحتياطي العام للدولة يهدف من خلال اصدار تقريره السنوي لإطلاع المجتمع على ما يقوم به من جهود كبيرة لتعزيز مكانته الإقتصادية والمالية بين الصناديق في العالم وباعتباره مؤسسة عامة حكومية من حق المجتمع أن يعرف ما تقوم به، وعلى الرغم من حساسية البيانات والمعلومات المالية التي تعكس العديد من المؤشرات، الا ان ادارة الصندوق على ثقة كبيرة بأن ماتقوم به يندرج في إطار مسؤولياتها الأخلاقية والقائلة بأن من حق المواطنين معرفة مايفعله، وهذا يحسب لادارة الصندوق.

ان نجاح الصندوق في عام 2018 في تحقيق عوائد جيدة على إستثماراته في محفظة الأسواق الخاصة التي تشمل التملك الخاص والعقارات في ظل التقلبات التي تشهدها الأسواق هو نجاح ليس سهلا تحقيقه، إلا أن الإدارة الواعية لأبعاد المخاطر كانت عاملا إستراتيجيا في تحقيق تلك النتائج الايجابية، فضلا عن إسترداد رؤوس الأموال والتخارج من 6 إستثمارات مختلفة محققا عوائد مجزية بلغ بعضها ضعف قيمة الإستثمار، كما أن تجلياته وضحت في دخوله للشراكات والإستثمارات ليضيف 16 إستثمارا جديدا في ذلك العام، وفق التقرير السنوي، وكلها نتائج مبشرة تستحق التعزيز الهادف لتمكين الصندوق في الإستثمار داخليا وخارجيا.

ان المتتبع لإستثمارات الصندوق خلال السنوات القليلة الفائتة يلاحظ بان هناك نهجا إستثماريا استراتيجيا واضح المسار محليا ودوليا يهدف لتنمية الإستثمارات المحلية من خلال الدخول في شراكات واستثمارات عالمية، وإدماج شركات ومؤسسات بهدف تطويرها والإرتقاء بأداءها المالي والإقتصادي من خلال منظومة عمل إقتصادية متنوعة تسهم بها العديد من الجهات.

ان الصناديق السيادية للدول وفي العادة تستثمر أموالها في الخارج كفلسفة عالمية، إلا أن صندوقنا لم يتبع هذه الفلسفة، بل راى بان دمج ذلك بالإستثمار في الداخل له قيمة مضافة عالية ليس بالعائد على رأس المال، وإنما بالقيمة المحلية المضافة التي ترفد الإقتصاد الوطني وتثرى الأسواق الداخلية وتوظف الكفاءات وتخدم المجتمع وتجلب التقنيات الحديثة للداخل.

ولعل إطلاق شركة تنمية نخيل عُمان، من قبل احدى الشركات التابعة للصندوق، لإستهداف توسيع إنتاج وتصنيع التمور ومشتقاتها أحد الأهداف الرامية للإسهام في تعزيز القطاع الزراعي التقليدي والإرتقاء بإنتاجه، ونقل شركة الكروم العُمانية إلى محفظة أصول الصندوق تحت إدارة شركة تنمية معادن عُمان التي بادرت الى الشراكة مع القطاع الخاص العماني، كلها خطوات من شأنها تعزيز القيمة المضافة لقطاع التعدين. والعمل لتحويل ملكية سوق مسقط للأوراق المالية إلى صندوق الإحتياطي العام تمهيدا لتحويله لشركة مساهمة عامة وطرح أسهمه للإكتتاب العام مستقبلا من شانه ان يرتقي بالسوق لرحاب العالمية، فضلا عن تحويل الحكومة ممثلة في وزارة المالية حصصها في الشركات المحلية إلى الصناديق السيادية والشركات الحكومية القطاعية القابضة من شانه أن يبلور الإستثمارات القطاعية لتسهم في زيادة مساهماتها في تحقيق الإكتفاء الذاتي والإرتقاء بأداءها المالي وحوكمة أنظمتها، فضلا عن إستثمارات الصندوق في التقنيات الحديثة، إذ انشأ شركة «تنمية ابتكارات عمان» واستثمر في عدة صناديق وشركات عالمية لجلب التقنية الى السلطنة مثل شركة جلاس بوينت ونتج عن ذلك تقنية متقدمة عززت تسهيل إستخراج النفط في السلطنة، وكذلك مشروعات أخرى مثل ايسكريبانو وتقنية اليون الطبية، بالاضافة الى الدخول بثقله في شراكات إستثمارية في عدة مجالات، كل هذا الزخم يرفع بالتأكيد القيمة المضافة للصندوق ليس بتوفير إحتياطيات مالية وانما بالإسهام في رفد الإقتصاد الوطني وتطوير القطاعات الإنتاجية.

بالطبع الجهود التي يحققها الصندوق من الصعوبة إختزالها في هذه العجالة، ولكن كما يقال الشيء بالشيء يذكر، بالنجاحات لابد من تعزيزها في خضم كل هذه المستجدات الإيجابية التي تظهرها النتائج ووسط المتغيرات الإقتصادية العاصفة التي تحوم حول الإقتصاديات وتنال من الإستثمارات وتخضع للأهواء والأمزجة السياسية.

نأمل ان يواصل الصندوق جهوده في تعزيز احتياطيات الدولة وليبقى رصيدا للمستقبل، وبناء إستثمارات محلية ذات قيمة مضافة عالية، فالركون والإتكاء عليه كسند للبلاد والعباد يحمله مسؤوليات كبيرة وفي كل خطوة يخطوها للامام، إذن دوام التوفيق وهو ما نتمناه له.