مأساة النظام العالمي

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٠/سبتمبر/٢٠١٩ ١٢:١٨ م
مأساة النظام العالمي

آنا بالاسيو

نحن نعيش عصرا يتسم بالإغراق في المغالاة والتضخيم، حيث تحظى الروايات حول الانتصارات الضخمة والكوارث المدمرة بالأولوية قبل المناقشات الواقعية حول التقدم التدريجي والتآكل التدريجي. ولكن في العلاقات الدولية، كما هي الحال في أي شيء، تشكل الأزمات والإنجازات الخارقة جزءا فقط من القصة الكاملة؛ فإذا فشلنا أيضا في ملاحظة اتجاهات أقل إثارة، فربما نجد أنفسنا في ورطة خطيرة ــ وربما بعد فوات أوان الهروب.

كانت قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى التي استضافتها مدينة بياريتز في فرنسا مؤخرا مثالا واضحا على ذلك. فعلى الرغم من بعض التطورات الإيجابية ــ حظي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على سبيل المثال، بالإشادة لأنه أبقى نظيره الأميركي دونالد ترمب تحت السيطرة ــ لم يتحقق الكثير. بعيدا عن مسألة النتائج الملموسة، تنذر بنية القمة بتآكل تدريجي للتعاون الدولي ــ الاضمحلال البطيء المضطرد للنظام العالمي.

من عجيب المفارقات أن تنبئنا مجموعة السبع بالمستقبل، لأنها من نواح كثيرة من بقايا الماضي. تشكلت مجموعة السبع في سبعينيات القرن العشرين، في أوج الحرب الباردة، وكان المفترض أن تخدم كمنتدى للاقتصادات المتقدمة الكبرى: كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، استمرت مجموعة السبع في صياغة الحوكمة العالمية حول قضايا تتراوح بين تخفيف الديون وعمليات السلام والصحة العالمية. وفي عام 1997، تحولت مجموعة السبع إلى مجموعة الثماني، بإضافة روسيا. ومع ذلك، جسدت هذه الكتلة عصرا من التفوق الغربي ضمن نظام عالمي ليبرالي مؤسسي تام النضج.
الآن، أضحى ذلك العصر ذكرى من الماضي. فقد تسببت أزمة 2008 المالية في إعاقة الأعضاء الرئيسيين في المجموعة، وكان ذلك، إلى جانب صعود الاقتصادات الناشئة وخاصة الصين، يعني أنها لم تعد تمتلك الكتلة الحرجة اللازمة لتوجيه الشؤون العالمية.

من هنا، تفوقت مجموعة العشرين الأكبر حجما والأكثر تنوعا، التي تشكلت في عام 1999، على مجموعة الثماني تدريجيا، وحلت محلها رسميا بوصفها المنتدى الاقتصادي الدولي الدائم على مستوى العالم بعد ما يقرب من عشر سنوات. وفي بيئة عالمية معقدة ومقسمة على نحو متزايد، كان أسلوب صنع السياسات المرن الذي انتهجته مجموعة العشرين ــ بما في ذلك تفضيل التعهدات غير الملزمة ــ يُعَد أكثر قابلية للتطبيق والبقاء من أساليب القوانين الصارمة التي انتهجتها المؤسسات المتعددة الأطراف الأقدم.

ظلت مجموعة الثماني هائمة بوصفها مجرد تكتل سياسي. وعندما جرى تعليق عضوية روسيا في مجموعة الثماني في عام 2014 ــ ردا على غزوها أوكرانيا وضمها شبه جزيرة القرم ــ أصبحت أقل ثِقَلا، وإن كانت أكثر تماسكا، حيث يتقاسم أعضاؤها رؤية عالمية أكثر اتساقا. (الآن، يدعو بعض المراقبين، بما في ذلك ترمب، إلى إعادة روسيا إلى المجموعة).
ولكن حتى هذه الميزة البسيطة هدمت بانتخاب ترمب في عام 2016. فقد بدأت إدارته في مهاجمة الحلفاء، ورفض القواعد والقيم المشتركة. ثم بلغ الموقف الحضيض في قمة مجموعة السبع التي استضافتها مدينة كيبيك في عام 2018، حيث انتقد ترمب العدواني الشكس مضيفه رئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو وتنصل علنا من البيان الختامي للقمة بمجرد إصداره.

على هذه الخلفية، أثارت قمة هذا العام في بياريتز قدرا عظيما من الارتياع والخوف. ففي ظل قدر ضئيل من الأمل في التوصل إلى الإجماع حول أي من القضايا المهمة، ركز المضيفون الفرنسيون للاجتماع على الحفاظ على المظاهر، فاختاروا المواءمة وليس التأثير. كانت الأهداف غامضة. الواقع أن ماكرون صرح قبل الاجتماع بأن القمة لن تصدر بيانا ختاميا، معلنا أن «لا أحد يقرأ البيانات الرسمية».
لكن هذا القرار يمثل خسارة كبيرة. ذلك أن البيانات الختامية تُعَد وثائق سياسية، وتقدم إشارات مهمة حول تسويات ذات مغزى للمجتمع الدولي. كان إعلان 2018، الذي رفضه ترمب، مكونا من 4000 كلمة، وحدد مجموعة من الأولويات والمناهج المشتركة في التعامل مع هذه الأولويات.

على النقيض من ذلك، انتهت قمة بياريتز ببيان من 250 كلمة، وكان غامضا ومخففا إلى الحد الذي جعله بلا معنى. ففي الشأن الإيراني، على سبيل المثال، لم يتمكن قادة مجموعة السبع من الاتفاق إلا على أنهم «يتقاسمون بشكل كامل هدفين: ضمان عدم امتلاك إيران للأسلحة النووية مطلقا وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة». وفي ما يتصل بهونج كونج، أكدوا مجددا على «وجود وأهمية الإعلان الصيني البريطاني المشترك لعام 1984 بشأن هونج كونج» ودعوا بطريقة جوفاء إلى «ضرورة تجنب العنف». وفي ما يتعلق بأوكرانيا، وعدت فرنسا وألمانيا بتنظيم قمة «لتحقيق نتائج ملموسة».
لا شك أن بعض الخطوات الإيجابية اتخذت في بياريتز. فقد خلق ظهور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف المفاجئ فرصة محتملة لمحادثات أميركية إيرانية في المستقبل. كما جرى فرض الضغوط على البرازيل لحملها على الاستجابة للحرائق التي تقضي على غابات الأمازون. كما كسرت الولايات المتحدة وفرنسا حالة الجمود بشأن ضريبة فرنسية مفروضة على شركات التكنولوجيا العملاقة. لكن أي تجمع دولي رفيع المستوى ينتج مثل هذه الأنواع من التدابير المحدودة، بمجرد تسهيل التفاعل بين قادة العالم.

الواقع أن كثيرين أدركوا أوجه القصور التي تعيب قمة مجموعة السبع الأخيرة. ولكن مع اقترابنا من الكارثة، كما هي حالنا في كثير من الأحيان، تركز التقييمات غالبا على انهيار المجموعة المحتمل في العام المقبل، عندما يكون مضيف قمة مجموعة السبع في الولايات المتحدة هو دونالد ترمب، الذي لن يقترب حتى من مستوى الجهد الذي بذله ماكرون للإبقاء على القمة الأخيرة متماسكة. (بل على العكس من ذلك، يبدو أن اهتمام ترمب بالقمة يدور حول رغبته في عقدها في منتجع الجولف المتعثر الذي يملكه في دورال بولاية فلوريدا).

لكن هذا المنظور يعجز عن إدراك العواقب الكاملة المترتبة على قمة بياريتز: فهي تشير إلى تحول أوسع في الحكم الدولي بعيدا عن التعاون السياسي الملموس ونحو بيانات وتصريحات غامضة وحلول ارتجالية. إلى حد ما، كانت مجموعة العشرين رائدة في هذا النهج، لكنها على الأقل لديها رؤية واتجاه محدد. ولكن لم يعد من الممكن أن نتوقع استمرار هذه الحال.
ما لم يقم الزعماء بدراسة وتقييم الاتجاه الحالي، فإن المحصلة النهاية لقمة بياريتز ستكون بمثابة علامة تشير إلى مستقبل النظام العالمي ــ الذي سينتهي إلى الفشل الذريع.

وزيرة خارجية أسبانيا السابقة