الفوضى التجارية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/سبتمبر/٢٠١٩ ١٢:٣٦ م
الفوضى التجارية

روبرت بارو

في مارس 2018، عندما قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب ساخرا إن «الحروب التجارية مفيدة، ويمكن الفوز بها بسهولة»، اعتبر كثيرون هذا التصريح على أنه زخرفة خطابية غير مؤذية في أغلبها. تُرى هل كان الأمر كذلك حقا؟

السبب الذي يدفع البلدان إلى المشاركة في التجارة الدولية هو الحصول على الواردات ــ السلع الاستهلاكية، والسلع الوسيطة المستخدمة في الإنتاج، والمعدات الرأسمالية ــ في مقابل الصادرات. وفي هذا الإطار، تكون الصادرات ببساطة السلع التي يرغب الأميركيون في الاستغناء عنها للحصول على شيء يريدونه أو يحتاجون إليه. لكن التجارة الدولية تعمل أيضا على تعزيز صافي حجم الفطيرة الاقتصادية الإجمالية،

لأنها تعني تمكين البلدان من التركيز على القيام بأفضل ما يمكنها القيام به، فتنتج السلع في المجالات حيثما تكون أكثر إنتاجية نسبيا. وفقا لنظرية ديفيد ريكاردو في الميزة النسبية، تستمد القوة النسبية للبلدان من الفوارق في الثروات الطبيعية. وكما أوضح الاقتصاديان بول كروجمان وإلهانان هلبمان في ثمانينيات القرن العشرين، فإن القوة النسبية للبلدان ترتبط أيضا باستثماراتها في مجالات التخصص المختلفة.

من خلال تبني نموذج المذهب التجاري البدائي حيث الصادرات «جيدة» والواردات «سيئة»، قَلَب ترمب هذا المنطق الاقتصادي النقي من الشوائب رأسا على عقب. ففي نموذج السياسة التجارية، يساهم فائض الصادرات على الواردات في تعظيم الثروة الوطنية من خلال تراكم المطالبات الورقية (الذهبية سابقا). ويبدو أن هذا هو ما يدور في ذهن ترمب عندما يشكو من أن الصين تستنزف 500 مليار دولار سنويا من الاقتصاد الأميركي، وغالبا من خلال مبادلة السلع الصينية بسندات الخزانة الأميركية.

قبل بضعة أشهر، سنحت بكل تأكيد لحظة مواتية عندما أبدت الصين استعدادها لتبني إصلاحات مهمة كجزء من اتفاق لتجنب التعريفات الجمركية الانتقامية. ولكن حتى في ذلك الحين، كان الترتيب المقترح غريبا: فقد أرادت إدارة ترمب قائمة كَمية من صادرات أميركية بعينها يجب أن تستوردها الصين بكميات أكبر.

بطبيعة الحال، كان الصينيون سعداء بالمضي في هذا الطريق، لأنه يتماشى مع شكل القيادة والسيطرة على الحوكمة الاقتصادية. لكن النهج الأميركي يفترض أن يكون مختلفا. فمع إدراك حقيقة مفادها أننا لا نعرف ما إذا كانت عمليات الشراء الصينية الإضافية يجب أن تتخذ هيئة سلع زراعية، أو شاحنات فورد بيك أب، أو طائرات بوينج (التي جرت العادة على اعتبارها جديرة بالثقة)، ينبغي للولايات المتحدة أن تدعو إلى خفض عام للتعريفات الجمركية وغيرها من القيود التجارية حتى يتسنى للسوق أن تقرر أي السلع ينبغي إنتاجها ومبادلتها. على أية حال، يبدو من المحتمل الآن أن تَعلَق الولايات المتحدة في حرب تجارية دائمة، مما يعني تكاليف طويلة الأجل يتحملها المستهلكون الأميركيون والشركات الأميركية.

على الرغم من التأثيرات التي لا تزال مواتية والتي خلفها الإصلاح الضريبي لعام 2017 والضوابط التنظيمية الضارة التي أزالتها الإدارة الأميركية، فإن النمو يزداد ضعفا، وقد حاول ترمب ــ دون جدوى ــ إلقاء اللوم على بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والشركات الأميركية غير المنتجة. المشكلة الحقيقية تكمن في النهج الذي يسلكه ترمب في التعامل مع السياسة التجارية، وهو أسوأ كثيرا من النهج الذي تبناه سلفه، والذي ربما يدفع اقتصاد الولايات المتحدة إلى الركود.

المشكلة في عموم الأمر أن المؤسسة السياسية الأميركية توصلت إلى الإجماع على ضرورة القيام بشيء ما للحد من الممارسات التجارية التقييدية الصينية. ومع ذلك، من الأفضل في بعض الأحيان التعايش مع موقف أقل مثالية.أما عن ترمب، فيبدو أنه يحب التعريفات الجمركية حقا، لأنها تعرقل الواردات «السيئة» وتزيد الإيرادات. وعلى النقيض من الحجج الاقتصادية العديدة الأخرى التي ساقها، يبدو أن دفاعه عن التعريفات صادقا، وبالتالي فإن التزامه بهذه السياسة لا رجعة عنه.

لكن هذا يجعل من الصعب أن نرى كيف قد تتمكن الولايات المتحدة من إبرام صفقة تجارية مُرضية مع الصين. الأسوأ من ذلك أن ترمب ربما يوسع استخدامه للتعريفات كأدوات تفاوضية في مواجهة بلدان أخرى عديدة. في مجمل الأمر، ما كنت لأقول إن ترمب يتمتع بالقدر الأدنى من «الذكاء الاقتصادي» بين أحدث الرؤساء. ولكن من الواضح أن هناك فجوة ضخمة بين ما يعرفه وما يعتقد أنه يعرفه. ولأن ما يعتقد أنه يعرفه هو الذي يحدد السياسة التجارية الأميركية، فإن أميركا تواجه مشكلة خطيرة حقا.

أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة هارفارد