الصين تلتزم بتعددية الأطراف

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/سبتمبر/٢٠١٩ ١٢:٣٧ م
الصين تلتزم بتعددية الأطراف

تشيزو تشو

في السنوات الأخيرة، أثار الدور الريادي للصين في إنشاء مؤسسات جديدة متعددة الأطراف- بما في ذلك منظمة شنغهاي للتعاون، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، وبنك التنمية الجديد- مخاوف من أن الحكومة تهدف إلى قلب النظام العالمي الحالي. ويفتقد هذا التفسير إلى نقطة حاسمة: لقد استفادت الصين بشكل كبير من هذا النظام بالذات، ولازالت تشارك فيه بنشاط، وتواصل الدفاع عنه بحماس.

ولم يكن لدى الصين رأي في صياغة القواعد والهياكل المتعددة الأطراف السائدة اليوم، لكنها التزمت بها بشكل عام. ولكي تنضم الصين إلى منظمة التجارة العالمية في ديسمبر 2001، على سبيل المثال، اعتمدت العديد من القواعد، وخففت أكثر من 7000 تعريفة، وحصة، وحواجز تجارية أخرى، أو ألغتها.

وكان الأمر يستحق التضحية. إذ لم تحمِ العضوية في منظمة التجارة العالمية مصالح الصين في العلاقات التجارية الدولية فقط؛ بل خلقت أيضا فرصًا تجارية، وأسواقًا جديدة، وساعدت على رفع مستويات المعيشة بشكل ملحوظ لمئات الملايين من الأشخاص. ولولا نظام التجارة العالمي القائم على القواعد، لما أصبحت الصين القوة العظمى التي هي عليها اليوم.

و تدرك الحكومة هذا جيدا. وهذا هو السبب في مشاركتها في مفاوضات لحماية هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية، في أعقاب إصرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عرقلة تعيين قضاة الاستئناف. (يدعي ترامب أن آلية تسوية النزاعات في الهيئة، تضع الولايات المتحدة في وضع لا يخدم مصلحتها، مع أن سجلها أفضل من معظم الدول الأخرى التي استخدمت الآلية.)

وأثارت نهضة الصين الاقتصادية الحاجة إلى التعاون في العديد من المجالات الأخرى، بما في ذلك الطاقة. ولم يكن قطاع الطاقة مستعدًا للازدهار الذي أعقب انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في أوائل العقد الأول من القرن العشرين، لذلك كان هناك عدد قليل جدًا من محطات توليد الطاقة لتلبية الطلب المتزايد من المصانع الجديدة. واضطرت العديد من الشركات إلى تشغيل مولداتها الخاصة التي تعمل بالديزل المستورد، مما ساهم في ارتفاع أسعار النفط العالمية.

واجتذب تأثير الصين الجديد في أسواق الطاقة العالمية انتباه وكالة الطاقة الدولية، التي ظهرت بعد أزمة النفط عام 1973، لمنع انقطاع الإمدادات. وفي حقيقة الأمر، لم يكن لوكالة الطاقة الدولية، التي أنشأتها البلدان الصناعية تحت رعاية منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، تأثير على الصين التي ليست عضوا في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. ولكن، إدراكًا منها لأهمية أسواق الطاقة العالمية المستقرة، بدأت الصين في التواصل بانتظام مع المنظمة التي تتخذ من باريس مقراً لها.

وفي عام 2015، بعد بضع شهور فقط من زيارة المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، إلى الصين في أول رحلة رسمية له، أصبحت البلاد واحدة من أوائل الدول التي فعَّلت وضع «الارتباط» مع الوكالة، من أجل تسهيل تعاون أعمق. وفي العام التالي، عينت وكالة الطاقة الدولية مسؤولاً صينياً في مجال الطاقة مستشارا خاصا لبيرول.

وكلما توسع نطاق استخدام الصين للطاقة، زادت بصمتها الكربونية– وكَبُر دورها في إدارة المناخ العالمي. وقد وقعت الصين بالفعل على اتفاقيات ريو لعام 1992 بشأن التنوع البيولوجي، والتصحر، وتغير المناخ، وبروتوكول كيوتو لعام 1997، الذي حدد أهدافًا ملزمة لخفض الانبعاثات. ولكنها عززت ريادتها المناخية في عام 2014، بالتعاون مع إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإصدار بيان مشترك حول تغير المناخ.

لقد أعطى ذلك البيان الصادر عن أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم حماسا تَمُس الحاجة إليه للمفاوضات التي توجت باتفاق باريس للمناخ لعام 2015. إذ عندما أعلن ترامب عن نيته سحب الولايات المتحدة من الاتفاقية، تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بحمايتها. واليوم، تعد الصين واحدة من الاقتصادات الكبرى القلائل التي تسير على الطريق الصحيح، نحو تحقيق أهداف خفض الانبعاثات.

ومع ذلك، حتى ولو أثبتت الصين على أنها قوة عالمية صاعدة، ومدافع متحمس عن التعددية، لا تعطيها المؤسسات القائمة، في كثير من الأحيان، حقها. إذ في صندوق النقد الدولي، على سبيل المثال، حصلت الإصلاحات التي تهدف إلى ضمان أن تعكس الحصص، وقوة التصويت، بشكل أفضل، التأثير المتنامي للاقتصادات الناشئة مثل الصين، على الموافقة في عام 2010، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا في عام 2016. ولا تزال غير كافية.
وترى الصين أن الإخفاق في التكيف مع النفوذ المتزايد للاقتصادات الناشئة والنامية، يقوض شرعية المؤسسات الدولية. وحتى يتساوى الجميع، في عام 2014 أطلق البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهو بنك مُقرض متعدد الأطراف، تملك فيه الصين نفوذاً أكبر بكثير مما تملك في صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي.

ولكن حتى تلك الخطوة لم تكن تتعلق بالتخلي عن النظام العالمي، فما بالك بقلبه. إذ تعكس أنظمة الإدارة والحوكمة في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية عن كثب، أنظمة المؤسسات القائمة، وكذلك سياساتها الاستثمارية. وهذا ليس مفاجئًا، نظرًا لأن العديد من كبار مسؤوليها شغلوا مناصب رفيعة المستوى في بنوك التنمية الأخرى، بما في ذلك البنك الدولي. وفي بعض المجالات، مثل الطاقة الفحمية، تصبح قواعد البنك الآسيوي أكثر صرامة. وفضلا عن ذلك، لم يعادي البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية المؤسسات المتعددة الأطراف القائمة، بل تعاون معها. إذ في عام 2016، وقع البنك الدولي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، اتفاقية إطار للتمويل المشترك لمشاريع الاستثمار؛ وبعد مرور عام، وقعا مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون وتبادل المعرفة. وأعرب صندوق النقد الدولي أيضًا عن رغبته في التعاون مع البنك الآسيوي.

وهذا لا يعني أن الصين لن تتحدى أبدًا قواعد أو هياكل متعددة الأطراف. بل على العكس من ذلك، فعندما يتعلق الأمر بـ»المصالح الأساسية» للصين- بمعنى آخر، الوحدة الترابية - يُظهر قادتها مقاومة عنيدة. ولم يتضح هذا العناد في أي موفق أكثر من وضوحه في رفض الصين للحكم الصادر عام 2016 عن المحكمة الدائمة للتحكيم في لاهاي، والتي أنكرت الأساس القانوني للبلاد للمطالبة بالحقوق التاريخية في بحر الصين الجنوبي.
ولكن مثل هذه الحالات استثناء وليست القاعدة. إذ في آخر المطاف، حتى الولايات المتحدة تجاهلت حكما أصدرته المحكمة الدولية. إذ في عام 1986، قضت محكمة العدل الدولية ومقرها لاهاي بأن الولايات المتحدة قد خالفت القانون الدولي، وانتهكت سيادة نيكاراغوا عن طريق مساعدة متمردي كونترا المناهضين للحكومة. ورفضت الولايات المتحدة الحكم، معلنة أنها ستتجاهل أي إجراءات أخرى.

المدير العام لمؤسسة IHS Markit