هكذا يكون السفراء!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٥/سبتمبر/٢٠١٩ ١٤:١٩ م
هكذا يكون السفراء!

علي بن راشد المطاعني

كانت رحلتنا لجمهورية الصين الشعبية ناجحة بكل المقاييس، نقول مانقول لأننا وفي إطار عملنا الصحفي شهدنا العديد من الفعاليات وحضرنا مناسبات شتى داخليا وخارجيا، إلا إننا والحق يقال فإن القليل من السفراء يولي إهتماما بهذه أو تلك الفعاليات التي تمثل فيها السلطنة، وتشارك فيها وفود من الجهات الحكومية وجمعيات المجتمع المدني، إلا أن ما خصنا به سعادة الشيخ عبدالله السعدي سفير السلطنة في جمهورية الصين الشعبية أشعرنا بالخجل من جهة الاهتمام والمتابعة المتواصلة خلال ايام مشاركتنا في فعاليات ملتقى الصحافة العُماني الصيني.

وطوال ستة أيام متواصلة لم يفارق سعادته الوفد، بل سخر كل إمكانيات السفارة وطاقمها المحدود لخدمة الفعاليات والمناسبات التي نظمتها جمعية الصحفيين العمانية على هامشها، إضافة للقاءات الوفد مع الجهات المختلفة في الصين، لقد غمرنا بإهتمامه ومتابعته غير العادية إبتداء من وصولنا للعاصمة بكين إلى مغادرتنا لها، لقد ودعنا وصافحنا فردا فردا في الحافلة وبحرارة، الأمر الذي يبعث على الإرتياح لهذا الإهتمام وتلك الحفاوة والتي تدخل الطمأنينة والسعادة في النفوس لوجود جهة ما فاعلة تمثل هذا الوطن ومواطنيه كما ينبغي وترعى شؤونهم وتقوم بواجباتها خير قيام بدون كلل أو ملل أو ضجر من كبر حجم الوفد وتعدد الطلبات وتباين الرغبات والظروف التي تصاحب مثل هذه الفعاليات في دولة ضخمة مساحة وشأنا كالصين، إذ تتطلب هكذا مهام جدولة المهام والمواعيد قبل فترات طويلة وما يصاحب ذلك من إجراءات دقيقة تفرضها الأنظمة الداخلية للدولة وما يعنيه ذلك من إستيعاب دقيق للبروتوكولات المقترنة بمثل هذه المناسبات.

وعلى الرغم من أن عدد أعضاء سفارتنا ببكين اقل من أصابع اليد الواحدة إلا أنهم يضطلعون بواجبات وظيفية هامة في إطار تأطير وتوثيق العلاقات العُمانية الصينية بكل تشعباتها وخاصة الشق الاقتصادي وإمتداداته وتشعباته، إلا أن ذلك لم يمنع أو يحول من أن يشملنا أعضاء السفارة بفيض كرمهم وجودهم وحفاوتهم وتفانيهم في خدمة كل مواطن هناك وبكل الطرق الممكنة والمتاحة غير آبهين بضخامة الأعباء وعذابات الجهد الخارق الذي يبذلونه في سبيل إسعاد كل عُماني وخدمته في كل شبر من أرض هذا العملاق الأسيوي الذي يخطو بثقة نحو ريادة العالم.

فخلال ستة أيام من الفعاليات المتواصلة ليل نهار لم نشعر أبدا بأننا غرباء، هو جهد أفضى لإنسيابية برنامج الزيارة بنحو مرضي، وعلى ذلك نقول أن الصورة الناصعة لعمل السفراء دائما تصنعها المواقف الطيبة والتي تبقى حية أبدا في الذاكرة، والأثر الحميد الذي يتركه أعضاء السفارات في نفوس مواطنيهم والدول التي يعملون بها، هو ذلك الذي يوصف بالمميز، فكل الأعباء المهولة الملقاة على عاتق سعادة السفير عبدالله السعدي لم تمنعه من أن يتابع بنفسه كل صغيرة وكبيرة، ويشرف على الجزئيات ويدقق في كل التفاصيل والإبتسامة العريضة لاتفارق محياه، ذلك يعكس دون ريب أفقه الواسع وثقافته العميقة ويعبر عن جذوة كرم الضيافة المتأصلة في سويداء ذاته كخصلة عُمانية أصيلة.

وفي مطلق الأحوال فإن الحقيقة يجب أن تقال بحلوها ومرها في آداء سفاراتنا التي لا يمنع أن يعاد تقييم دورها وفقا لحجم العمل الضخم الذي تضطلع به فإلامكانيات ينبغي أن توفر لمثل هذه السفارات يجب أن يكون متواكبة مع حجم العلاقات وما تشهده من تطورات، فالسفارة لا تهدأ يوما من زخم العمل المضني، زيارات وفعاليات ولقاءات متتالية وفد زائر ووفد مغادر، ومستثمرين ومسؤولين وأصحاب مصالح تهم البلدين يفدون إليها بنحو يومي ولحظي، ومع ذلك لا تلحظ بأي فجوة أو ثغرة في منظومة العمل مجسدين أروع الأمثلة في التضحية ونكران الذات.
نأمل أن نرى كل سفاراتنا كسفارة بكين، وفي ذات رحابة وبشاشة سعادة عبدالله وفي تعاونه وأخلاقه وسعة صدره، الذي جسد لنا معنى ومغزى ومدلولات وأهداف العمل الدبلوماسي في أروع وأبهى صوره.