صناعة السفن تحتضر!

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٧/سبتمبر/٢٠١٩ ١١:٤٧ ص
صناعة السفن تحتضر!

علي المطاعني

الكل يدرك مدى شهرة السلطنة بصناعة السفن وتوارث هذه الصناعة أبا عن جد منذ القدم، وكانت السفن هي وسيلة التواصل الحضاري مع دول العالم ووصلت السفن العُمانية إلى الصين ونيويورك وغيرها من مدن العالم القريبة والنائية، وكانت للسلطنة أمجاد بحرية كإمبرطورية مترامية الأطراف أسهمت في الحضارة الإنسانية، والي اليوم هذه المآثر باقية وستظل بحول الله، إلا أن ما يحز في النفس هو حقيقة أن هذه الصناعة التقليدية الشهيرة تواجه اليوم مستقبلا مظلما، بل إننا نراها تحتضر أمامنا في صمت وجلد وماضية في تنفيذ إرادتها الميممة شطر الموت الرحيم، هذا الرحيل القاسي له بالقطع تبعات وإرهاصات تندلع كالحمم من رؤوس الغيورين على إرث هذا الوطن وتراثه الخالد والعريق، وهو ما يتطلب مراجعة هذا الجانب من قبل الجهات الحكومية المختصة لإحياء هذه الصناعة وبقائها لربط الأجيال الجديدة بالإرث الخالد للأباء والأجداد.

وذلك من خلال إيجاد ورش لصناعة السفن في كل ولاية من ولايات السلطنة الساحلية لنؤكد عبرها على عراقة هذه الصناعة وتوظيف المشتغلين بها، وتوفير كل سبل الإبداع إضافة للعطاء المجزي لهم كموظفين برواتب جيدة ومعقولة تكفيهم مشقة البحث عن مهن أخرى، ويمنحون في ذات الوقت نسبة مئوية مناسبة من ريع البيع كحوافز تشجيعية للشباب وللأسر والعائلات التي إمتهنت هذه الصناعة العريقة، سواء في صناعة السفن بأحجامها الكبيرة أو تلك التي على هيئة نماذج فلكلورية صغيرة كهدايا لفائدة السياح والزوار وتوزع في المطـــارات والفنادق وكل النزل السياحية في البلاد، مع وجود منصات للبيع مجاورة لورش التصنيع لتصريف وتسويق المنتجات وفق أحدث الأساليب في هذا المجال.

بلاشك أن صناعة السفن وإذ هي تقف الآن على الهاوية بتراجع التصنيع إلى مستويات مقلقة نتيجة لرحيل الرعيل الأول من الآباء والأجداد الذين كانوا يمتهنون هذه الصناعة مع رفيقتها صناعة الخشبيات من أبواب ونوافذ ومناديس وغيرها، فنجد واقعيا نسبة كبيرة من الأجيال الجديدة لا تحبذ العمل في مهن اباءهم وأجدادهم للعديد من الأسباب منها عدم وجود مرتبات ثابتة، وكذلك عدم الرغبة والإستعداد الفطري لإمتهان هذه التراثيات، فالحداثة أفرزت طعمها الحلو والمر في وقت واحد وهو اللهث خلف الوظائف المكتبية الموجودة هناك خلف خطوط الأفق حيث السراب يلمع ويغري الأعين للركض في طلابه وهو يعلم أي السراب إنه بعيد المنال تماما كالنجوم في كبد السماء.

لذلك فإن معالجة هذه المشكلة لا يتأتى إلا من خلال تدخل فاعل من الدولة يفضي لإعادة الإعتبار لهذه الصناعة ولتعود كما كانت فخر للوطن وإرث تاريخي وحضاري، وفي ذات الوقت توفر مداخيل جيدة للشباب وهذا ما يحفزهم للحفاظ عليها وعدم السماح لها بإبداء أي رغبة في الموت أو الإنتحار مجددا.

هناك بالفعل عائلات إمتهنت هذه المهن في الولايات وعلى طول شواطئ السلطنة حان الوقت الي إعادتها إلى ما كانت عليه بأي شكل حفاظا على هذه المهن المتوارثة وتعزيزها بشكل منظم.

في الحقيقة المواطن الغيور على إرث هذا الوطن تنتابة نوبة من الحزن العميق عندما يمر بجوار منطقة البطح في ولاية صور العريقة والشهيرة بصناعة السفن على سبيل المثــال ويرى الورش عبارة عن رفات وحطام لبقايــا لقى قديمة متناثرة هنــا وهناك تبكي مر البكاء وتحكي بصوت مخنوق بالعبرات والزفرات ويقطع نياط القلوب هذه الصناعة في هذه الولاية والحال هو ذاته الحال في كل الولايات الساحلية.

بالطبع هناك محاولات لصناعات نماذج هدايا للسفن لكن على أيدي عمالة وافدة وبعض الحرفيين، غير أنها لا تسمن ولا تغني من جوع ولا يمكن أن تحسب على هذه الصناعات بحجمها وعراقتها وعلاقتها بالبيئة في الولايات التي اشتهرت بصناعة السفن في السلطنة ولا يمكن أن تكون بديلا في أحيائها.
نأمل من الحكومة ممثلة في الجهات المختصة أن تعيد إحياء هذه الصناعات عبر مشروع وطني متكامل يربط العائلات التي امتهنت هذه الحــرف وتلك الصناعات ومنحهم كل ما أشرنا إليه بعاليـه على أن تدير إدارات وزارة التراث والثقافة والهيئة العامة للصناعة الحرفية هـــذا المشــروع والذي يتجاوز في مغزاه مفهـــوم التجارة المحض ليدخل في صميم جدلية أنه إعادة النضارة لتاريخنا البحري التليد.