تجار سوريا يشتكون من تراجع سعر العملة السورية

الحدث الأربعاء ١٨/سبتمبر/٢٠١٩ ١٢:٣١ م
تجار سوريا يشتكون من تراجع سعر العملة السورية

دمشق - أ ف ب

في محله التجاري الصغير المخصص لبيع الزهورات والبزورات في وسط دمشق، يشكو محمد زرقاوي من تراجع سعر العملة السورية الى حدّ «لا أحد يعلم كيف يبيع ويشتري ننام على سعر ونصحو على سعر آخر، وعندما تريد الشراء تجد تفاوتاً كبيراً في الأسعار».

وانخفضت قيمة الليرة بشكل حاد في السوق السوداء لتصل في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر إلى 691 مقابل الدولار الواحد، مسجّلة بذلك أدنى مستوياتها، ثم ارتفعت تدريجياً لتبلغ الإثنين 610 ليرات مع محاولة السلطات السورية ضبط تذبذبات السوق.
في نهاية العام الفائت ، كان سعر الدولار يساوي حوالى 500 ليرة سورية. وكان سعر الدولار قبل بدء النزاع في 2011 حوالى 48 ليرة. ويقول التجار إن هذا التدهور أدى الى تراجع إقبال الزبائن على الشراء.

ويوضح محمد أثناء تفقده عبر هاتفه المحمول سعر الصرف، محاطاً بأكياس مختومة من الزهورات واليانسون والقصعين وعبوات البهارات على أنواعها، «كان الارتفاع جنونياً، وكذلك الانخفاض».

وأقرّت اللجنة الاقتصادية في رئاسة الحكومة إثر اجتماع استثنائي عقدته الأسبوع الفائت، وفق ما نقلت صحيفة «الوطن» السورية، تدابير عدة بينها اتخاذ إجراءات قانونية لضبط التعامل غير الشرعي بالعملات الأجنبية، وتشديد الرقابة على المتلاعبين.
ورغم أن قيمة الليرة عاودت الارتفاع تدريجياً، لكن هذا التحسن لم يترك أثره على السوق الذي لا يزال يعاني من الانهيار الأخير.

ويروي محمد أنه اضطر إلى دفع مبالغ إضافية جراء تأخره في شراء بعض البضائع، موضحاً أن سوق البزورية القديمة حيث محله المتواضع كان شبه خال من الزبائن في الأيام القليلة الفائتة.

وبات كثيرون «يترددون قبل شراء أي بضاعة»، وفق محمد الذي يلفت إلى أن «الإقبال خفيف رغم أننا في مثل هذا الوقت من السنة نشهد إقبالاً شديداً» مع بدء الاستعداد لعودة الطلاب إلى مدارسهم وموسم الشتاء.

أزمات متلاحقة

في دمشق القديمة، يشكو هيثم غنمة (58 عاماً) وهو يجلس على كرسي معدني أمام محله لبيع مساحيق التجميل، من الوضع عينه.

ويتروى الرجل ذو الشارب الأبيض في شراء أي بضاعة جديدة بانتظار «ثبات سعر الصرف» لئلا يخسر الزبائن، إذ إن «ارتفاع سعر الدولار يدفع الأسعار إلى الارتفاع أيضاً، ومعظم موادنا استيراد أجنبي».

ويشكل انخفاض قيمة العملة السورية دليلاً ملموساً على الاقتصاد المنهك جراء ثماني سنوات من الحرب، في ظل تقلّص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي القطع الأجنبي. وتخضع سوريا لعقوبات اقتصادية أميركية وأوروبية تسبّبت بالمزيد من الخسائر. ويأتي التراجع الأخير بعد أزمة وقود حادة شهدتها مناطق سيطرة القوات الحكومية خلال الصيف، وفاقمتها العقوبات الأميركية على إيران بعدما توقف لأشهر عدة خط ائتماني يربط سوريا بإيران لتأمين النفط بشكل رئيسي.

وبحسب نشرة «سيريا ريبورت» الاقتصادية الإلكترونية، فإن الميزان التجاري في حالة سيئة كون «قدرة الإنتاج المحلي مدمرة بشكل كبير وهناك حاجة للواردات لملاقاة الطلب المحلي» على السلع.

على بعد نحو 600 كيلومتر من دمشق، تتكرر المعاناة ذاتها في مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية.

ويتحسر فايز أحمد (39 سنة)، وهو تاجر مستحضرات تجميل أيضاً، على كون «الحركة الشرائية شبه متوقفة»، مشيرا الى أن تراجع سعر صرف الليرة «ترك أثره على كل الشعب السوري». ويطال تأثير تدهور سعر الليرة المواد الأساسية والكماليات.

ويقول فايز «نشتري جميع البضائع بالدولار وأسعار مستحضرات التجميل ارتفعت ورواتب الشابات (اللواتي يستهلكن مستحضرات التجميل) لم تعد تكفيهن لشراء أي شيء».

وتسيطر قوات سوريا الديموقراطية التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري، على القامشلي ومناطق واسعة في شمال شرق سوريا، وتترك تقلبات سعر صرف الليرة آثارها على كل الحركة الاقتصادية في البلاد.

رواتبنا لا تكفينا
ويشكو حسين حمو (24 عاماً)، وهو تاجر مواد غذائية في سوق القامشلي، من تراجع حركة الزبائن. ويقول بينما يجلس في محله محاطاً بالمعلبات وأكياس الأرز لوكالة فرانس برس «باتت حركة الأسواق ضعيفة والزبون يشكّ بالأسعار».

ويضيف «نشتري البضائع بالدولار من المراكز الرئيسية ويتفاجأ الزبون بأن الأسعار تختلف بين ساعة وأخرى».

وأدى انحفاض سعر الصرف القياسي ثم ارتفاعه، وفق حسين، إلى «كساد البضائع بينما يتوجب علينا سداد دفعات للتجار، بالتالي نحن مجبرون على بيع البضاعة لإيفاء ديوننا». وعلى غرار كثيرين، يشتري حسين البضائع من الموردين بالدولار ويبيعها للزبائن بالليرة. ويقول «عند كل مساء، نتوجه لتحويل المبالغ بالليرة السورية إلى الدولار ونخسر الكثير جراء الفرق في سعر الصرف».

وتستعيض عائلات كثيرة، وفق قوله، عن التموّن لشهر كامل بشراء كميات قليلة «لتعويض ارتفاع الأسعار لأن الوضع كارثي».

وتقول الموظفة لدى الإدارة الذاتية روناهي حسن (33 عاماً) لفرانس برس خلال تجولها في سوق القامشلي «لم نعد نستطيع العيش مع الارتفاع الجنوني للأسعار. في كل يوم يرتفع الدولار، تزداد الأعباء علينا».

وتضيف أثناء شرائها لوازم مدرسية لأطفالها « كيف يمكننا العيش .. ورواتبنا لم تعد تكفينا إلا لبضعة أيام؟».

حل سياسي دائم

وفي انقرة ستضاف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الإثنين قمة لبحث الاوضاع في سوريا بمشاركة نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، وقد تعهّد القادة الثلاثة بالتعاون لتفادي تفاقم الأزمة الإنسانية في إدلب، آخر معقل للمعارضة في البلاد. وعقد الرؤساء الثلاثة محادثات منفصلة في العاصمة التركية قبيل قمة هي الخامسة بينهم حول النزاع في سوريا منذ العام 2017.

وبينما دعمت إيران وروسيا بشدة الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن تركيا دعت مرّات عدة للإطاحة به ودعمت فصائل مسلحة في المعارضة. لكن مع تمكّن الرئيس الأسد من تعزيز وضعه، تحوّلت أولويات تركيا إلى منع تدفق اللاجئين بشكل كبير من إدلب الواقعة في شمال غرب البلاد.
وكانت التصريحات الصحافية مقتضبة، وقال إردوغان إن المحادثات كانت «بناءة» وإن القادة الثلاثة اتّخذوا «قرارات هامة».

وقال إردوغان في تصريح متلفز لدى افتتاح القمة «نحن متّفقون تماما في سعينا إلى التوصل لاتفاق سياسي يحفظ الوحدة السياسية لسوريا وسلامة أراضيها».

وتشعر أنقرة بالقلق من تقدم قوات الجيش السوري في المنطقة، مدعومة بغطاء جوّي روسي، رغم سلسلة اتفاقات لوقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها.

وتنشر تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب ومحيطها في تطبيق لاتفاق سوتشي الذي تم التوصل إليه قبل عام ونصف عام على إقامة منطقة منزوعة السلاح في المحافظة لمنع عملية عسكرية سورية واسعة.

لكن تواجه نقاط المراقبة التركية مخاطر متزايدة إذ انفصلت إحداها عن باقي أجزاء إدلب عندما تقدمت قوات النظام الشهر الفائت.

وتواصلت الضربات الجوية الروسية في المنطقة رغم اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين أنقرة وموسكو الذي أبرم في 31 اغسطس. وقال بوتين في افتتاح القمة إن «منطقة خفض التصعيد يجب ألا تشكل ميدانا للاستفزازات المسلّحة».

وتابع الرئيس الروسي «علينا اتّخاذ تدابير إضافية لتدمير التهديد الإرهابي الآتي من منطقة إدلب تدميرا كاملا».