الموازنة بين شقيّ الاستدامة

مؤشر الخميس ٠٣/أكتوبر/٢٠١٩ ٠٠:٥٣ ص
الموازنة بين شقيّ الاستدامة

محمد بن محفوظ العارضي

كان من المؤسف أن يتلقى العالم نبأ انتشار حرائق مستعرة في غابات الأمازون، أكبر غابة استوائية مطيرة في العالم. والمؤسف بحق في هذا الأمر ليس الحريق في حد ذاته، فبالرغم من أن حجم الحريق يعد قياسياً ولم يسبق له مثيل منذ نحو عشر سنوات، إلا أن موسم حرائق الغابات هو أمر طبيعي ومتكرر بغض النظر عن حجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم.
ما أثار الانتباه حقاً في شأن ما ندعوها بـ "رئة الأرض"، عرفاناً بدورها الجوهري في محاربة الاحتباس الحراري العالمي وممارسات عالمنا غير المستدامة، هو الموقف الدولي تجاهها.
ها هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يسعى لترسيخ مكانة دولته في الحفاظ على البيئة بينما يعمل قادة الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وكندا على اتفاق محتمل لتقديم مساعدات فنية ومالية للدول المتأثرة بالحرائق بما في ذلك البرازيل، وفي المقابل، حذّررئيس البرازيل جايير بولسونارو الدول الأخرى من التدخل وذكر أن التمويل الأجنبي يهدف لتقويض سيادة البرازيل.
ضرورة الحفاظ على مسؤولية المجتمع الدولي هو أمر مفروغ منه، وكذلك الحفاظ على السيادة المطلقة لكل دولة على أراضيها، ومن هنا، كان وقوع هذا الحدث دليلاً قاطعاً على أن لقضية الاستدامة أبعاد سياسية وقانونية قوية لا يمكن، بل ولا يجوز، أن نتخطاها.
والاستدامة مفهوم مثالي إلى حد بعيد، فهي لا تقتصر على الهواء الذي نتنفسه أو التنوع البيولوجي، فهناك أيضاً الاستدامة المالية واستدامة النشاط التجاريبهدف الحفاظ على النظام الاقتصادي العالمي، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأنواع الاستدامة الأخرى.
من المفارقات أن نرى تزايد أعداد الأعمال التجارية المعنية بالاستدامة البيئية في المنطقة والعالم، ولكنها تُعاني من نقص الاستدامة المؤسسية وقبول الأعمال المالية غير المستدامة.هناك شقان لابد من مراعاتهما عند إنشاء وإدارة الأعمال التجارية المستدامة، استدامة ممارسات العمل التجاري في حد ذاتها واستدامة المنتجات أو الخدمات، فللاستدامة جوانب لا تنتهي، وهي تطال إنتاج المنتجات الغذائية والملابس والخدمات على اختلافها وأساليب الإقراض وتعيين الموظف وحقوقه وغيرها الكثير.
تلك المفارقات نجمت عن نقص الوعي، وعلاجها إيجاد دور أقوى على المستويات السياسية والقانونية، وهو ما يتطلب وقتاً ومجهوداً ولكن مردوده لا يقدّر بثمن.
فمثلاً،الأعمال التجارية المستدامة، بشقيها المؤسسي والإنتاجي، تعتمد بشكل كبير على تقنين وتشجيع الشمول المالي، وهي بحاجة إليه أكثر من غيرها من الاعمال التجارية، كما تحتاج إلى وجود طلب في الأسواق.
وهناك أمثلة ناجحة لعلامات تجارية كبرى استفادت من مكانتها بين المستهلكين لتشجيع منتجاتها الاستهلاكية المستدامة وإثبات مسؤوليتها الاجتماعية بصورة مبتكرة مثل شركة "أيكيا" التي قدمت حلولاً في صورة منتجات ترشد استهلاك الطاقة والمياه، وشركة "إتش آند إم" التي اعتمدت على ورق الأناناس، قشور البرتقال والطحالب في تصنيع الملابس، وشركة "يونيليفر" التي تعمل على زيادة عدد منتجاتها الصحية بينما تحافظ على المساواة بين الجنسين داخل المؤسسة، كما نرى مساهمات قوية من علامات تجارية جديدة متخصصة في دعم الاستدامة والحفاظ على البيئة.
تلك النجاحات في الخارج هي مؤشر مشجع لتعزيز المسؤولية البيئيةفي منطقتنا العربيةوالشرق الأوسط بشكل عام، ولكن ما نحتاج إليه حقاً هو الموازنة بين الاستدامة المؤسسية واستدامة المنتجات، وكما نأمل الحفاظ على النظام البيئي، يجب ألا ننسى الحفاظ على النظام الاقتصادي والاجتماعي كي تحظى الأعمال التجارية المعنية بنجاح ورواج كبير.
ما يميز منطقة الشرق الأوسط هو التنوع البشري والمجتمعات الشابة وتنوع المواد الخام والطاقةالشمسية، وغيرها. منطقتنا تتحلى بثروات لا تنتهي وفرص استدامة واعدة.
ويميزها كذلك الانتشار الأوسع لممارسات الاقتصاد الإسلامي، التي لا تزال ناشئة، ولكنها تنمو على نحو متسارع وتشجع الاستدامة على جميع المستويات، وهناك أمل كبير في نمو الوعي بملائمة تلك الممارسات للمستهلك والمستثمر المسلم وغير المسلم على حد سواء.
استدامة العمل التجاري مفهوم واسع، وإن لم نستوعبه كما يجب، سنشهد قيام الكثير من المؤسسات المعنية باستدامة البيئة ثم اختفاءها بعد فترات محدودة من الزمن. بالنسبة للشرق الأوسط، يكمن الدور القيادي في التقنين والتشجيع من قبل المؤسسات الحكومية والعلامات التجارية، وخاصةً الكُبرى منها، والشخصيات المعنية.

رئيس مجلس الإدارة التنفيذي في إنفستكورب، رئيس مجلس إدارة بنك صحار