الشراكة والاستثمار

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٧/أكتوبر/٢٠١٩ ١٢:٤٨ م
الشراكة والاستثمار

يوسف بن حمد البلوشي

تهدف الشراكة بين القطاعين العام والخاص الى تعظيم الاستفادة من الخبرات والكفاءات الإدارية والفنية، والقدرات التمويلية التي يمتلكها القطاع الخاص، واشراكه في تقديم الخدمات العامة ليتسنى للحكومات التركيز على وضع السياسات والاستراتيجيات لمختلف القطاعات. ومن هنا تأتي أهمية الشراكة بين القطاعين باعتبارها أداة تنموية يمكنها المساهمة في خلق فرص العمل وبناء مشاريع البنية الأساسية وتوفير خدمات أفضل وأقل كلفة على المواطنين، وهذا أمر بالغ الأهمية في تحقيق تنمية اقتصادية تشكل بدورها رافعة لتحقيق تنمية بشرية ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. وقد أكد المنتدى الاول للشراكة بين القطاعين العام والخاص على أن الشراكة هو العنوان الاهم للمستقبل وقد افردت رؤية عمان 2040 مساحة واسعة لمناقشة هذا الموضوع وتبنت العديد من التوجهات الاستراتيجية في هذا الشأن. وقد أتى هذا المنتدى بعد اكتمال المنظومة التشريعية للبيئة الاستثمارية في السلطنة بعد صدور قوانين رأس المال الاجنبي والتخصيص والشراكة والافلاس والتي تمهد الأرضية إلى الانطلاق نحو افاق أرحب للتنمية والتحول الاقتصادي المبني على الشراكة مع القطاع الخاص، والتعاون الدولي. والسلطنة في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة في أبها حللها وفي وضع أمثل للانتقال إلى طور جديد من النمو تمكنه وفرة الموارد الطبيعية وجاهزية البنية الاساسية وعلاقات دولية متميزة ومتوازنة مع دول العالم وموقع جغرافي مميز وفرصة سكانية مواتية.وباعتبار الشراكة وتلك التشريعات أولى الخطوات على طريق تحقيق رؤية عمان 2040، فإن من المهم أن يترافق مع المنظومة التشريعية للاستثمار تغيير حقيقي في فلسفة التعامل مع الاستثمار كعمود فقري لأي اقتصاد لتأثيراته المباشرة وغير المباشرة على مختلف المتغيرات الاقتصادية كالناتج المحلي الاجمالي والدخل والاستهلاك والتشغيل. ونقصد هنا حتمية التغيير وادوار جديدة مطلوبة من جميع المتعاملين مع المحرك الاستثماري سواء منا نحن كأفراد ومؤسسات في المجتمع العماني، أو مؤسسات الاعمال في القطاع الخاص، أو المؤسسات الحكومية المعنية بالقطاع المالي ليكون مساندا للاستثمار لا الاستهلاك، وقطاع العمل ليكون سندا لمؤسسات قطاع الاعمال التي ستتوسع أعمالها مع جذب الاستثمارات لاستيعاب مخرجات النظام التعليمي من الشباب العماني المؤهل في القطاعات الإنتاجية الخاصة وليس الحكومة. وكذلك المعنيين بإدارة الموارد الطبيعية بما فيها الموقع الجغرافي والثروات المعدنية والزراعية أو السمكية وغيرها ليكون شغلهم الشاغل انجاح الشراكة والاستثمار لا عرقلته. وفي نفس السياق يجب ان يترافق مع جاهزية واستقرار البنية التشريعية تغيير جذري في انماط السلوك الاستهلاكي لنكون أكثر ترشيدا لما نستهلك، وقادرين على الادخار لنكون قادرين على الاستثمار وأن ننظر الى أن العمل في القطاعات الانتاجية وتوفير فرص لأبناء هذا الوطن هو السبيل الانسب لخدمة هذا الوطن. سيما وان تضخم الجهاز الحكومي واستمرار استيعابه للباحثين عن العمل سيفاقم من زيادة العبء المالي والاهم انه سيزيد من تعقد البيئة الاستثمارية ويعمق البيروقراطية وسيحرم القطاع الخاص من اهم الكوادر لينهض. فالمستثمر الذي يقصد السلطنة اليوم ترتطم خطواته بالبيروقراطية وغياب المرجعية الواحدة لاستكمال الإجراءات، خصوصا ما يتعلق بالتراخيص والبدء بالعمل، الامر الذي يشكل ضربة للخطط الرامية لتعزيز تنافسية وجاذبية السلطنة استثماريا.

وحيث ان تمكين القطاع الخاص واعطاءه الدور الرئيس في تسيير عجلة الاقتصاد، يمثل أحد المبادئ الرئيسة التي ارتكزت عليها رؤية عمان 2040. فإن دور القطاع العام (بجميع أقسامه) سيتركز على تحفيز وتيسير الاستثمارات في ضوء أفضل معايير الشفافية والمنافسة والإنصاف لجميع أصحاب المصلحة. وسيتمثل الدور الرئيسي للقطاع العام في إزالة العقبات التي تقف في طريق الاستثمارات الحالية وكذلك السعي لتوسيعها وترويجها. بالإضافة إلى ذلك، سيكون للقطاع العام دور خاص يلعبه في دعم وتمكين الأنشطة الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية، وتلك التي تستخدم نسبة عالية من العمانيين، وكذلك الأنشطة التي تقلل من استخدام موارد الطاقة والمياه، وكذلك الأنشطة التي تهدف إلى إعادة توزيع الفوائد التنموية بين المحافظات، بالإضافة إلى دعم وتمكين المشاريع الإبداعية والشركات الصغيرة والمتوسطة، بما يضمن توافر آليات تمويل تنافسية وفعالة ذات معدلات فائدة منخفضة، خاصة للمؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر، مع ضمان التوزيع العادل للائتمان المحلي على مختلف الأنشطة الاقتصادية.

ومن أجل توفير بيئة استثمار صحية، يجب على القطاع العام ان يواصل التزامه بالتحسين المستمر للهياكل التشريعية والتنظيمية والرقابية التي تحكم الأنشطة الاقتصادية من أجل ضمان انسجامها مع أهدافها التنظيمية والاقتصادية وكذلك لزيادة الشفافية. كما يجب على الحكومة تعزيز اعتماد نهج الحوار والتشاور مع القطاعات الاقتصادية المختلفة فيما يتعلق بالتشريعات واللوائح والتعليمات التي تحكم أنشطتها أو تؤثر عليها.

ان ما تحقق في عمان من إنجازات على مختلف الاصعدة لم يكن وليد الصدفة وكان نتيجة لعمل دؤوب ورؤية مدروسة من لدن حضرة صاحب الجلالة حفظه الله. ولا يخفى أن السلطنة حققت قفزات تنموية كبيرة على مختلف الأصعدة، مكنها من الانتقال من الكفاف والقطاعات التقليدية الى مجتمع مزدهر بكافة مقومات الدول العصرية. ولقد لعب الاستثمار الاجنبي دورا محوريا في هذه القفزات التنموية وذلك من خلال الاستثمار في استكشاف وانتاج وتصدير النفط. وتعتبر الاستفادة من العائدات النفطية في الاستثمار في البنية الأساسية عالية الجودة، والتعليم والصحة أحد أهم الإنجازات التي تحققت خلال الحقبة الماضية، والتي ارست أسس حقبة جديدة من النمو، حددت اطرها وتوجهاتها رؤية عمان 2040 التي أدركت ضرورة إعادة صياغة نموذج التنمية بحيث يمكن القطاع الخاص والاستثمار الاجنبي المباشر من قيادة دفة التنمية لتنويع القاعدة الانتاجية والتصنيع المحلي وخلق فرص العمل. الامر الذي لن يتأتى بدون الدخول في شراكات استراتيجية مدروسة بين الاستثمار الاجنبي وشركات القطاع الخاص وتلعب الحكومة دورا مهما في خلق البيئة المحفزة لقيام هذه الشراكات ورعايتها في المرحلة الاولى.

وتملك السلطنة كل المقومات التي تحتاجها للانتقال الى النموذج المشار اليه الذي يتماشى مع الجاهزية والمقومات المتوفرة. الا أن ذلك لن يحدث تلقائيا ويحتاج الى تغيرات هامة في كافة المفاصل التنموية وعوامل الانتاج. ويحتاج الامر الى شجاعة وجسارة في اتخاذ قرارات استراتيجية بنظرة استراتيجية طويلة المدى تأخذ في الاعتبار النظرة الشمولية لمختلف الابعاد. ومن المؤكد أن الدول التي نجحت في ذلك كانت تعيش مرحلة استنفار ينشغل الجميع فيها بدراسة الفرص والمقومات المتاحة محليا واقليميا وعالميا وايجاد الحلول والبدائل والحرص على تنفيذها بعناية كبيرة. وحقيقة عمان محتاجة لرفع جاهزيتها في اقتناص الفرص التي تفرزها الظروف الإقليمية والعالمية ولذلك يجب ان يكون لدينا فريق قادر على تحقيق الأهداف وترجمة الفرص الى نتائج ملموسة تنعكس على زيادة معدلات النمو وتوفير فرص العمل اللائقة لأبنائنا.

إن معادلة نجاح مسار الشراكة وتهيئة القطاع الخاص للعب الدور المطلوب منه في المرحلة المقبلة بسيطة ولا تتطلب من القائمين عليه تغيير بعض القناعات. المطلوب هو رفع الحس الوطني والنزول الى ميدان العمل وبان من يخدم عمان هم رجال الاعمال المنتجون والمزارعون والصيادون والصناعيون هم يصدرون وهم من يخلقون الوظائف وهم من يستطيعون تمويل الحكومة.

الجميع يتفق بان هناك دورا كبيرا لهيئة الشراكة وبأن مربط الفرس هو إدارة بيت القطاع الخاص المتمثل في غرفة التجارة والصناعة وممثليها وكذلك الهيئة العامة للتخصيص والشراكة واثراء والامل فيهم كبير بوجود طاقات شابة.

وختاما فإن اصدار القوانين المشجعة على الاستثمار والحديث عن الشراكة شيء وجعل الاستثمار والشراكة واقعا ملموسا شيئا أخر، وأن المضي قدما في مسار الشراكة وتعزيز القدرة على اجتذاب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات الأجنبية المباشرة ليس ضرورة مالية، من أجل سد الفجوة الحاصلة في إيرادات السلطنة نتيجة لتراجع أسعار النفط، بل هي كذلك ضرورة تنموية لربط الموارد والمقومات وتكملة النقص في التكنولوجيا والمعرفة والوصول الى الاسواق والتي تمثل عناصر ضرورية لتعظيم الاستفادة من الجاهزية وتركيز كل الجهود لعمل اختراق للوضع الراهن والدفع نحو مزيد من التنويع الاقتصادي وتوفيرفرص العمل للشباب وتعزيز القدرة التصديرية للبلاد.

ونؤكد هنا أن إصدار هذه القوانين جزء مهم في وصفة العبور للوصول إلى التنمية المستدامة ولكن هناك عناصر أخرى لا تقل أهمية ولا تكتمل الوصفة بدونها مرتبطة بجميع عناصر الانتاج الاخرى. إن المستقبل ملك من يصنعه ولم يعد انتقال عمان إلى نموذج وآليات جديده للنمو خيارا؛ بل ضرورة، تفرضها التحديات الآنية والمستقبلية وتمكّنها الجاهزية والمقومات الكبيرة للسلطنة وتتطلب ادارة ذكية للموارد وربط نقاط القوة والمقومات ضرورية لخلق واقتناص الفرص، وذلك من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر، والشراكات المدروسة قاعدة أساسية لتوسيع الإنتاج، وخلق فرص عمل. وايجاد منظومة يعمل الجميع بتكامل وانسجام مع مفردات ومقاربات جديدة تركز على زيادة الاستثمار المحلي والاجنبي وتعزيز الصادرات وتهيئة بيئة الاعمال، الإرادة، الثقة، الابتكار، الإبداع، الشغف، العزيمة، المبادرة، والشراكة.

yousufhamad@yahoo.com