جمعية الصيادين

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢١/أكتوبر/٢٠١٩ ١٢:٢٢ م
جمعية الصيادين

سمعان كرم

عندما أتينا عمان عام 1970، كان البحر مليئاً بالخيرات والأسماك على انواعها. وكان الصيادون يخرجون بمراكبهم الخشبية الضيقة (الهوري) لبعض الوقت دون ان يبتعدوا كثيراً عن الشاطىء ويعودون محملين بالسمك. لايحتاجون للإبحار اميالاً ولا الى ساعات طوال لملء قواربهم وذلك لوفرة الطرائد. ولم تكن هناك فائدة من كثرة الصيد لأن الطلب المحلي كان ضعيفاً ووسائل النقل الى الخارج صعبة ان لم تكن معدومة فتجعل التصدير حلماً. لعدة سنوات بقي الصيد بدائياً ويستهلك محلياً. وكان عدد السكان يومذاك حوالي 600,000 نسمة. لكن مع عودة العمانيين من الخارج، ووصول الوافدين، ازداد الطلب على السمك محلياً في الوقت الذي كانت مع الأسف مراكب صيد جبارة تجرف الاسماك في مياهنا الإقليمية.

ومن اجل مساعدة الصيادين على تحسين اوضاعهم قررت الحكومة القيام ببناء موانىء صيد على طول الشواطىء العمانية، من رأس ‘ضربة علي‘ على الحدود مع اليمن الى كمزار في مسندم وذلك على مدى العقود الفائتة. هكذا قام ميناء الصيد في صلالة وطاقة وحاسك واللكبي ومصيرة والاشخرة وصور وقريات والسيب والسويق والخابورة وشناص ودبا وليما وخصب وبخاء وغيرهم. مع الاسف وفي كثير من الاحيان لم يتشاور مصممو تلك الموانىء مع الصيادين لتحديد موقع الميناء واتجاهات كاسر الامواج فيه، هم الذين يعرفون بحارهم وتصرفات امواجها وتياراتها. وبالتالي عكف الصيادون عن استعمال بعض هذه الموانىء فبقيت فائدتها محدودة. ففي الخابورة مثلاً صمم الحوض بعيداً عن الشاطىء فقاطعه الصيادون، وفي بخاء اقيم الميناء في منطقة لم تلائم الصيادين فقاطعه ايضاً البعض منهم. ولو نظرنا الى سعة هذه الموانىء المتواضعة وضعف الخدمات على اليابسة من كهرباء وماء ومحروقات وبرّادات ومصانع ثلج وتصنيع وتعليب وتسويق نلاحظ ان الرؤية لهذا القطاع لم تكن على مقدار طاقاته. مع كل ذلك جاءت تلك الموانىء بفوائد جمة على بعض الصيادين. بوجودها اصبح الصيّاد في الاشخرة مثلاً يملىء خزّانه الابيض اللون بالكنعد والهامور وينطلق بسيارته دون توقف الى الدمام والرياض لبيع الحمولة. ويعيد الكرّة عدة مراَت طوال موسم الصيد.

مانريد قوله هنا هو انه كان من المستحسن ان تتحاور الأطراف بجدية اكبر مع الصيادين اذ ان الميناء وجد لهم ، لخدمتهم وليس لأي غرض آخر. ولو تلاقت المعرفة الهندسية مع خبرة الصيادين لكان الوضع افضل. وهذا درسٌ علينا ان نأخذه بعين الاعتبار حالياً ومستقبلاً.

مرّت الايام وبرزت ضرورة التنويع الاقتصادي في البلاد. بسرعة ظهرت الثروة السمكية على الساحة الاقتصادية كصناعة تستفيد منها البلاد وتساعد على نمو الناتج المحلي. قامت مختبرات ’تنفيذ‘ وهي مبادرة علمية ناجحة، وان تأخرت بعض الوقت كي تظهر نتائجها الإيجابية على أعيُن من لايقرأ ويتمعن بالأرقام. لقد تغيّر مفهوم الصيد وإدارة الثروة السمكية كلياً. فأضحت الوزارة تنظم مواسم الصيد وتحمي الانواع وقت تكاثرها وتدعم الصيادين بمراكب احسن نوعية وتضع أسس الإستزراع السمكي وغيرها من الافكار الحديثة مستفيدة من البنية الاساسية المكتملة في البلاد. والأهم ابتدأت الوزارة بتطبيق توصيات ’تنفيذ‘ لتحويل هذا القطاع من اداة امن غذائي محلي الى صناعة حديثة تستهدف التصدير والوصول الى الاسواق العالمية. من هنا ابتدأت بإنشاء موانىء صيد ضخمة تتماشى مع اهداف «تنفيذ» والرؤية 2040، تكون فيها جميع الخدمات على الارض ومصانع حديثة تضمن الجودة والانتاج. فالعمل متقدمٌ في ميناء صيد منطقة الدقم الجديد، واسندت مؤخراً مناقصة لإنشاء ميناءٍ مماثل في دبا، ويطرح الآن مجلس المناقصات مشروعين مماثلين في الشويمية وخلوف.

بعد عقود من الزمن نعود الى مشهد مماثل من اختيار المواقع وضرورة اخذ رأي الصيادين كي ينصهروا في المبادرة الوطنية ويدعموها وكي يستفيدوا فعلاً من الإنشاءات الجديدة ويطمئنوا على مستقبلهم ويشجعوا اولادهم لإتباع نفس المسار.

اشهرت منذ سنة تقريباً جمعية الصيادين وتم مؤخراً تعيين مجلس ادارة مؤقت لها، وهذه خطوة طيبة يشكر عليها المسؤولون ومؤسسو الجمعية. في رأينا المتواضع وبعد ان تعلمنا عن فوائد قيام جمعيات مهنية لتمثيل الأعضاء والسهر على مصالحهم وتطبيق سياسات الحكومة، مثل جمعية الخدمات النفطية (OPAL) وغيرها ان ندعم هذه الجمعية ونساعدها على هيكلة نفسها وتجسيد وجودها وزيارة اعضائها وتحضيرها كي تصبح المحاور والشريك الاستراتيجي للوزارة الموقرة في سعيها لجعل قطاع الصيد وثروات البحر، قطاعاً رائداً في الأمن الغذائي ورائداً في التنويع الاقتصادي.

اذا كانت النوايا والأهداف واحدة، وهذا هو الواقع هنا، فلنفتح الحوار العلمي والجدي بين الأطراف لنضمن نجاح مساعينا.