خطبة الجمعة غير موفقة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٥/نوفمبر/٢٠١٩ ١١:٣٧ ص
خطبة الجمعة غير موفقة

علي المطاعني

صُدمت من خطبة صلاة الجمعة التاسع عشر من صفر الموافق 18 من أكتوبر الماضي، عندما طُرحت قضية لا ترقى لأنْ تكون محور الخطبة في صلاة الجمعة في جوامع السلطنة كقضية أساسية ومحورية، وإذا شاء لنا أنْ نصفها فإنها لا تعدو أنْ تكون قد شُهّرت بالمجتمع وأُلصِقت به مفسدة وهو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، ألا وهي جريمة (التحرّش الجنسي بالأطفال)، فوصم المجتمع بهذه الظاهرة توجّب التوقف عنده؛ إذ إنه يُعد خياراً غير موفق؛ فالمسألة وبناءً لتقديرنا ومعايشتنا اللصيقة فإنَّها لا تعدو أنْ تكون حادثة أو حوادث فردية تحدث في كل المجتمعات البشرية على كوكب الأرض لا تحتاج للتضخيم الذي يُفزع الكبار قبل الصغار ويزعزع الثقة في قلوب الأهالي.

فكون أنْ يُصاب شخص ما بمرض نادر الحدوث لا يعني أنْ نقول بأنَّ المرض غدَا ظاهرة اكتسحت البلاد وتوجّب تخصيص خطبة لها محذّرين الناس من عواقب المرض وتبعاته، وما من شك أنَّ الخطبة وبتحذيراتها ستعبر الحدود وتصل للأصقاع البعيدة والنائية وتعكس صورة غير إيجابية عن مجتمعنا كما صوّرتها الخطبة وبالتالي اقترف معدّو الخطبة ذنباً في حق مجتمعهم لا يُغتفر، وشوّهوا صورته أمام المجتمعات الأخرى بظاهرة ليست متفشية كما نلحظ وإنّما عبارة عن تصرّفات فردية لا يمكن تعميمها بأي حال من الأحوال.

إنَّ هكذا سلوكيات وعندما يأتي بها بعض السفهاء فلا يمكننا حينئذ أنْ نهرع للتعميم واعتبار أنَّ المسألة هي الآن ظاهرة ارتقت لتقف على منابر الجوامع كخطبة، نحن نستبعد ذلك جملة وتفصيلا؛ فأخلاقيات المجتمع لا تسمح أبداً بذلك، ولله المنّة والحمد فإنَّ مجتمعنا كان وسيظل محافظاً على أخلاقه وسلوكياته الرفيعة المعروفة عنه عبر الأزمان.

فالخطبة وفي إطار ردود الأفعال فإنها تُثير مخاوف أولياء الأمور، وترفع وتيرة الشك لدى كل أفراد المجتمع، وتنعدم الثقة بين الناس، وتزداد صرامة الإجراءات الأمنية المضروبة حول الأطفال في حق التواصل والانفتاح وتزعزع الثقة في نفوس أولياء الأمور في فلذات أكبادهم، وذلك يجعلهم يسألون ويتساءلون عن الأسباب الموجبة للتضييق عليهم لهذا الحد، عندها لا نستطيع أنْ نُخبرهم بأنَّ كل الناس هم في الواقع ذئاب بشرية.

لن نستطيع الزعم بأنَّ هذا هو الواقع؛ لأننا وفي قرارة أنفسنا نعلم علم اليقين بأنَّ مجتمعنا ليس كذلك ولن يكون بهذه الصورة القاتمة التي صُوِّرت بالخطبة، وبما أنَّ الأمر على هذا النحو فإنَّ رفع درجة الحذر للحد الأقصى من جريمة فردية تحدث في كل مكان لنتخذها عنواناً للمجتمع فذلك خيار غير موفق ويجب أن ندقق في ما نقدّمه للناس ومدى واقعيته من عدمه.

ما من شك أنَّ الذين يُعدّون خطب الجمعة أغفلوا قضايا جوهرية يعاني منها المجتمع وهي أولى بالتناول وتحتاج لمعالجات عاجلة ولمتابعات مستمرة، تركوا المهم وذهبوا إلى جزئيات لا تشكّل قضية ولا ظاهرة وعمدوا لتضخيمها بشكل لافت، مستعينين بالعديد من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة للتأكيد على أنَّ هذا المنكر مستشرٍ في المجتمع - والعياذ بالله - كما في بعض المجتمعات البائدة.

بالطبع لا يمكن إنكار وجود بعض الحوادث والإساءات للأطفال من بعض أصحاب النفوس الضعيفة لكنها ليست ظاهرة كما صوَّرتها خطبة الجمعة التي لم تكن موفقة بأي حال من الأحوال.

بل إذا كانت هذه الظاهرة على نطاق ضيّق فتُعالج بشكل أفضل من الإعلان عنها في المساجد، من خلال الأجهزة المختصة وبطرق عدة، بل إنَّ إعلانها بتلك الصورة في الخطبة قد يشجّع البعض للسير في تلك السلوكيات غير الحميدة ويفتح منافذ لهذه الظاهرة -إذا كانت- لكي تتوسع؛ فمعالجة بعض الإشكاليات أو الجزئيات في المجتمع لا تتم عبر الإعلان عنها وبشكل واسع في مثل خطب الجمعة وغيرها من وسائل الإعلام.

نأمل وفي إطار الصالح العام أنْ تُعرض مثل هذه الخطب على وزارة الإعلام والإعلاميين لأخذ الرأي والمشورة وللوقوف على انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية وقبل أنْ تُجاز؛ فالعالم الآن واقعياً هو قرية صغيرة وكل الآذان ترهف السمع لدبيب النمل في أي دولة من دول العالم، لذلك لا بد من اتّخاذ الحيطة والحذر ودراسة رود الأفعال قبل اتّخاذ القرار.. وقبل كل شيء البحث والتقصي عمّا إذا كانت تلك القضايا والمشكلات تستحق أنْ تُطرح كقضايا عامة أم هي تصرّفات فردية لا يمكن تعميمها.