السياحة: نعم أم لا؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٥/نوفمبر/٢٠١٩ ١٢:١٣ م
السياحة: نعم أم لا؟

سمعان كرم

خلال مختبرات تنفيذ وخلال مناقشات متعددة وطويلة، خلال ورش العمل لوضع الأسس للرؤية 2040، خلال تحضير قانون الاستثمار الاجنبي وقانون الخصخصة وغيرها من المبادرات، لم نخرج يوماً وكلنا متوافقين تماماً ورؤيتنا واضحة ومركزة. في السياحة مثلاً يتردد البعض خوفاً على انتهاك عاداتنا وقيمنا، وفي الاستثمار الاجنبي نتساءل لماذا نعطي تسهيلات لأجنبي كي يأتي ويأخذ اموالنا ومواردنا ويذهب عائداً الى بلده، وفي الخصخصة نخشى الاستفادات الفردية المشبوهة.

كل هذا التردد في القناعات واخذ القرار، بفوائده ومضاره، يؤخر عجلة النمو ويبدد العزيمة والطاقات. يجب ان نسأل انفسنا اليوم وبكل صراحة: هل نريد السياحة ام لا؟. هل نريدها بفوائدها المتعددة بالرغم من بعض تأثيراتها السلبية؟ هذا سؤال جوهري. ان اردنا السياحة فلا تجزئة او انتقاء او شروط مسبقة بل ادارة حكيمة لها.

لنأخذ مثلاً التركيز في قطاع السياحة. جاءنا خبير بشؤون الصين استضافه منتدى رجال الأعمال ليخبرنا عن نفسية وعقلية الصينيين وطرق التعاطي معهم اجتماعياً او تجارياً. هذا الخبير يعيش في الصين منذ سنين ويبدو انه يعرفهم عن كثب. قال ان عدد السياح الصينيين اليوم حوالي 160 مليونا وقد يصل هذا الرقم الى 400 مليون بحلول 2030.

السياح الصينيون اليوم يشكلون عِشر مجمل السياح في العالم ويصرفون نصف حجم السوق! اذاً اغنياء. يضيف الخبير ان تركيبة المجتمع هناك تبدلت بعد الازدهار الذي عرفته البلاد، اذ وجدت الآن طبقة وسطى يزداد عددها يومياً وقادرة على السفر للسياحة والتعرف على بلدان العالم. وهذه الطبقة لم تعد تسافر لتشتري الملابس الفخمة والساعات الغالية والمجوهرات الثمينة لقد قطعت هذه المرحلة واصبح في متناولها ماتريده من مقتنيات.

هي اليوم تريد السفر لتعيش تجارب جديدة مثل الغطس في بحار غنية بالاحياء والمرجان، في مياه نظيفة، ومثل تجربة ركوب الجمال وقطع المسافات على الكثبان الرملية، وصعود الجبال الشاهقة، والإبحار والصيد ومشاهدة الدلفين وزيارة الأودية والواحات. كلها معطيات والكثير من غيرها، متوفر لدينا. انتهى الخبير بالتنويه بان الصينيين يتطلبون تفصيلاً واضحاً لكل تجربة او مغامرة وبالتالي انشاء منصة تشرح وتفسّر وتصوّر، تعطى المعلومات الكافية عن الاستقبال والتنقل والسكن والأكل والتأمين والتطبيب، ان مرضوا، والكلفة واخذ العلم بأن 70% منهم يسددون فواتيرهم عن طريق الهواتف الذكية(Aei-Pay).

دول الخليج استقبلت حوالي مليوني سائح صيني عام 2018. كم منهم وصل عمان؟ لو ركزنا فقط على هذه الفرصة التاريخية واستهدفنا الطبقة الوسطى بالصين قد نحقق الجزء الكبير من استراتيجية السياحة للأعوام القادمة حتى عام 2040 من تعزيز المساهمة في الناتج المحلي، والتنويع الاقتصادي، وتنمية المناطق، وتحسين ميزان المدفوعات،وزيادة الاحتياط من العملات الصعبة، وتعريف السلطنة على العالم وزيادة إشعاعها، وسهولة تدريب القوى العاملة على الوظائف السياحية وسهولة البدء بريادة الاعمال المتعلقة.

اي قطاع آخر قد يأتي بمثل هذه الفوائد الوطنية؟ وبصدد انشاء منصات للترويج على المواقع الفريدة التي تمتاز بها السلطنة يجب الاشادة بمخرجات البرنامج الوطني لتنمية المهارات حيث قامت اربع شركات صغيرة ومتوسطة يملكها شباب عمانيون بالاشتراك مع داعمين ماليين من القطاع الخاص متخصصة بعملية الترويج تلك. لكنها تبقى ضعيفة ان لم تتبناها وتدعمها وتزودها بالمعلومات وزارة السياحة الموقرة.

لم يعد من المقبول ان نخاف من السياحة وتأثيرها على عاداتنا وثقافتنا بل جاء الوقت لإطلاق العنان للافكار المبدعة والمبتكرة. لقد زرت عدة بيوت قديمة في الداخلية، خصوصاً حمراء العبريين ومسفاة العبريين. ان المواطنين هناك يستقبلون السياح الاجانب بكل ترحاب في البيوت السياحية. سقط الخوف منهم وابتدأوا يفكرون بمصالحهم مع الحفاظ على كرامتهم وقيمهم.

مانحتاجه اليوم، مع كثرة المختبرات وفوائدها، هو إعادة ترتيب الأولويات وإعطاء واحد من القطاعات او على الأكثر اثنين الاهتمام المميزّ الذي يجعلهما الدافع الرئيس للاقتصاد ولتحديد الهوية الاقتصادية، نقترح ان يكون القطاع الرئيس السياحة وان تتضافر الجهود لإنجاحه. نحن بحاجة ماسة الى قصة نجاح في الاقتصاد ترفع المعنويات وتدعم الثقة بالنفس. التركيز وعدم تشتت الأفكار والموارد بإتجاهات متعددة قد يكون اساساً للنجاح.

سمعان كرم