الانتقال من التعمين التقليدي للتعمين الذكي «5»

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١١/نوفمبر/٢٠١٩ ١٢:٤٠ م
الانتقال من التعمين التقليدي للتعمين الذكي «5»

مرتضى بن حسن بن علي

رغم كل الجهود التي تبذلها وزارة القوى العاملة لتوفير فرص عمل لأكبر عدد ممكن من الباحثين عن عمل، غير ان جهودها تصطدم بعدد متزايد من المتغيرات، فعلى سبيل المثال:

١-منذ عام 2011 الى عام 2014، وفرت الحكومة «115» ألف وظيفة في القطاعات الحكومية المختلفة، وقد نتج عن ذلك استقالة «70» ألف من القطاع الخاص، مقابل انضمام 20 ألفا اليه فقط. كثيرون قبلوا أجورا أقل من تلك المقدمة لهم في القطاع الخاص، ونتج عن ذلك انخفاض أعداد القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص بنحو «50 « ألف مواطن، وانخفاض نسبة التعمين فيه، على الرغم من رفع الحد الأدنى للأجور. وقد ادى ذلك إلى ارتفاع تكلفة الرواتب والاجور في الحكومة، من مبلغ «2.6 «مليار ريال عماني الى «6.1 « مليار ريال عماني. وعند انخفاض اسعار النفط، ادت تلك الزيادة الى تفاقم العجز في الميزانية العامة للدولة.

٢-ارتفعت حالات الدوران الوظيفي والتي تراوحت بين الاستقالات والاستغناء عن خدمات الموظفين من قبل الشركات ولأسباب مختلفة، مما يستوجب دراسة الموضوع وايجاد حلول له عن طريق التنسيق والتعاون بين الجهات المختلفة. وبلغ مجموع ما تم تعيينهم من المواطنين في الوظائف المختلفة في عام 2017 عدد «53,433» مواطنًا ومواطنة، مقابل إنهاء خدمات عدد «48,705» منهم، وبالتالي فإن العدد الصافي الذين تم تعيينهم في عام 2017، بلغ «4,728» مواطنًا فقط. من جهة اخرى، بلغ عدد الذين تم تعيينهم من المواطنين في عام 2018 عدد «57,943» مواطنًا مقابل إنهاء خدمات «52,806»مواطنين، بين مستقيل ومقال، وعليه بلغ صافي عدد المعينين «5,127» مواطنا فقط.
ومن المعتقد ان هذه الحالات سوف تزداد في عامي 2019 وعام 2020، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي نمر بها، والذي سيؤدي إلى استمرارية زيادة نسبة المنتهية خدماتهم سنويا. هذا الموضوع يستحق اهتمامًا خاصا لكونه يبدد كل الجهود المبذولة لإيجاد حلول عملية للمشكلة. هناك ظاهرة جديدة اخرى تستحق الاهتمام، لتأثيرها المباشر على سوق العمل، اذ ان هناك عددا متزايدا من الشركات تحول جزءا من أنشطتها المختلفة الى مراكز الاتصال في الدول الاخرى، وذلك من اجل التقليل من اعداد موظفيها وتخفيض مصاريفها، وهي ظاهرة بدأت تنتشر مثلما هي منتشرة في الدول الأخرى.

ومثلما تم ذكره سابقا، فإنه من الاستحالة تطبيق سياسات التعمين الحالية ونسبها المئوية غير الواقعية، بعد ان وصلت الى الطريق المسدود، الامر الذي يستوجب اعادة النظر فيها وإحلال التعمين الذكي محلها، بدلا من التعمين التقليدي.

نسب التعمين الحالية تُعّرض الشركات الى صعوبات عديدة، ولن تقدر على إيجاد وظائف جديدة، اذ يتعين على عمان الاستمرار في توسيع قاعدة المتخصصين والفنيين لاستيعاب الكم الكبير من الخريجين العمانيين من التعليم العالي أو من الكليات التقنية والمعاهد الفنية، من خلال تدريبهم المستمر. وخلاصة القول ان سياسات التعمين بنسبها المطبقة، كانت عنصر تمكين قصير الأجل، ولكنها ليست الحل النهائي طويل الأجل، اذ يستوجب تطوير قدرات العماني الادارية والفنية لكي يساهم إيجابيا وبصورة فعالة في تطوير المؤسسات. وعليه لا ينبغي التركيز على تحديد نسب محددة للتعمين على كل القطاعات، بعد ان تبين استحالة تحقيقها وتنفيذها، بل التركيز بدلًا من ذلك، على القطاعات الواعدة التي توفر فرصا للترقي التدريجي وتحسين الرواتب من خلال زيادة الإنتاجية بصورة مستمرة.

٣-من مجموع الباحثين عن عمل في نهاية شهر نوفمبر 2018 والبالغ «45,711»، يتبين ان غالبية الباحثين عن عمل هم من سكان المناطق المختلفة، والتي بلغت نسبتها «87,5%». علينا ان نركز ايضا على توفير الوظائف في بقية المناطق العمانية وعدم الضغط على الشركات في محافظة مسقط فقط والتي بلغت نسبة الباحثين عن عمل فيها «12,5%» فقط.

٤-هناك أراء عديدة ترى انه في سبيل تسهيل مهمة الباحثين عن عمل للحصول على فرص العمل، يستوجب التخلي عن قضية الحد الأدنى للرواتب، إذا كان الباحث عن عمل يقبل بذلك والتركيز على توفير فرص العمل وبعد ذلك يمكن للرواتب ان ترتفع مع زيادة التدريب والانتاجية، إضافة إلى مراجعة التخصصات والاهتمام والتركيز على زيادة كفاءتهم ومن ضمنها معالجة القضايا التي اوردها تقرير « مسح الخريجين من التعليم العالي» مثل تعزيز مهارات اللغة الانجليزية والمهارات التنظيمية والتحليلية.

عمان تتمتع بعدد قليل من السكان، ومن اجل التقليل من اعداد القوى العاملة الوافدة، وفي نفس الوقت توفير وظائف ذات قيمة مضافة للعمانيين، فلابد من بناء طلب على وظائف ذات مهارات عالية والتي لا تحتاج الى أعداد كبيرة من القوى العاملة الوافدة ذات المهارات المتدنية. التكنولوجيا قادرة على تحويل الاعمال التقليدية الى اعمال فائضة عن الحاجة وإحلال نظم جديدة تماما للإحلال محلها، وتعويض العامل البشري داخل المؤسسات المختلفة، ونمو الانتاجية من دون الحاجة الى أعداد كبيرة للعمل.

وتبرز الان ظاهرة النمو من دون الحاجة إلى نمو في اعداد القوى العاملة، وتترسخ هذه الحالة مع الانتشار الواسع للأتمتة في كل الحقول، مما يزكي قدرة المنشآت ذات الانشطة المختلفة، على الاستغناء من العامل البشري والاستعانة بالحلول التكنولوجية كبديل استراتيجي يمكن الحصول عليه بسهولة، ويقدم خدمة بجودة عالية، ويعمل كل الوقت بدون كلل وملل، ولا يطالب بزيادة الاجور او بحقوق نقابية وعمالية! ويصل تأثير التكنولوجيا إلى الأعمال الإدارية والفنية وإلى العديد من المهن كالتعليم والخدمات المالية وحتى مهن مثل المحاماة والطب، خصوصاً مع توغل مفهوم الإدارة عن بعد، والتجارة والتسويق الإلكتروني.أصبحنا أمام اقتصاد جديد يعتمد على الرقمنة والتكنولوجيا كسبيل للنمو، دونما حاجة إلى بشر مساهمين في بناء معادلة الإنتاج ومعنيين بنتائجها في التوزيع. وعلى هذا النحو، سيؤدي إحلال الأجهزة والآلات محل العمال إلى الاستغناء عن عديد من الوظائف التقليدية لتخفيض نفقات الإنتاج، وعلى المركز الوطني للتشغيل الانتباه لذلك.

ومثلما قامت الثورة الصناعية الاولى، بإلغاء عشرات الآلوف من الوظائف التقليدية وظهور وظائف جديدة مع إنتاجية أكبر واجور اعلى، ورافق انتهاء العصر الزراعي التقليدي والانتقال نحو المنظومة الصناعية، انخفاض الوظائف الزراعية في الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 85% وفي بريطانيا بنسبة 70%، مع تصاعد هائل في الانتاج الزراعي.

وإذا كانت التكنولوجيا تهدد وظائف عديدة بالاندثار، فإنها ايضا من جهة اخرى، توجد يومياً، فرصاً عديدة للعمل، بل وتطلق قطاعات اقتصادية جديدة قابلة للتطور. ومراحل الانتقال من نسق معرفي وعصر اجتماعي الى آخر ستؤدي إلى تراجع، وربما انقراض وظائف لتفسح المجال لمساحات شاسعة لوظائف اخرى مختلفة وأكثر انتاجية وأكثر اجرة. أن الوظائف الجديدة تكون اداة تمكن العمال من الحصول على أنواع جديدة من العمل بطرق جديدة وأكثر مرونة وذات قيمة مضاعفة.

وعمان بعدد سكانها المحدود، بحاجة إلى توفير المزيد من الوظائف الجيدة ذات الانتاجية العالية وفي نفس الوقت ذات الأثر الاجتماعي والاقتصادي الإيجابي للعمالة والمجتمع. وبهذه الطريقة سوف نتمكن من توفير وظائف ذات قيمة مضافة عالية مع تخفيض الاعداد الهائلة من القوى العاملة الوافدة.

appleorangeali@gmail.com