حماية المستهلك وتحديات العصر

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١١/نوفمبر/٢٠١٩ ١٢:٣٨ م
حماية المستهلك وتحديات العصر

صادق بن حسن اللواتي

الغش التجاري يعتبر من الآفات الاجتماعية والاقتصادية ، ظهر في المعاملات مع الناس واستفحل خطره في العالم ، والغش يتنافى مع الأخلاق الحميدة ، وأخطاره لا تخفى على أحد فهي تقع على الفرد والمجتمع على حد سواء خاصة إذا وقعت على السلع الاستراتيجية مثل الأغذية والأدوية مرورا بالسلع الإستهلاكية.

ومع اتساع نطاق الغش التجاري وتطور أساليبه وتنوعها ظهرت مشكلة في كيفية التصدي لهذه الظاهرة والحد من انتشارها والقضاء عليها، هنا أصبحت الحاجة ملحة لحماية الأفراد من خطر هذه الآفة.وقد ازدادت حركة حماية المستهلك نتيجة المطالبات الشعبية والرسمية لأجل تأمين الحماية القانونية للمستهلكين من جشع التجار والشركات والحفاظ على أموالهم وسلامة معيشتهم وحقهم في الحصول على السلع ذات الجودة العالية وبالأسعار المناسبة. وفي الوقت نفسه طالبت الشركات حمايتها من المنافسة غير المتكافئة التي تتعرض لها من قبل شركات أخرى تنتج سلع موازية وبأسعار قريبة ولكنها أقل جودة بل قد تصل إلى أدناها ، وكذلك حمايتها من تقليد منتجاتها التي قد تؤدي إلى تكبدها خسائرمالية فادحة. وقد ساعد كل ذلك على ظهورفكرة حماية المستهلك التي ترتبط بحقوق المواطن وتساعد على نمو الاقتصاد المحلي وتسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير أسباب التوظيف والمستهلكين هم أؤلئك الذين يستخدمون السلع المختلفة سواء للإستهلاك النهائي أو الاستثمار أو الاستخدام عن طريق البيع والشراء أو التأجير ويشمل أيضا أؤلئك الذين يستخدمون الخدمات المختلفة سواء كانت هذه الخدمات مقدمة لهم من الحكومة بكافة فروعها أو من المهنيين بكافة فئاتهم المختلفة.

من هنا يتضح لنا أن للحماية شرطان يجب تحققهما الأول :هو أن تتصف الحماية بالعدالة والمساوة للحقوق والواجبات ومصالح الأطراف.والشرط الثاني :أن لا تتناقض مع آليات السوق التي قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بالمستهلك ، من خلال هذه المعطيات ولفهم طبيعة هذه الحماية نستعرض مثالا من واقعنا المحلي ولنبدأ بموضوع استدعاء المركبات الذي أخذ مساحة كبيرة في حماية المستهلك في الآونة الأخيرة وأبعاد هذا الموضوع ليس خافيا على أحد ، لأن أهم العناصر المؤثرة فيه

أولا : عنصر ضياع أموال المشترين لهذه المركبات وهم المستهلكون للخدمة التي تقدمها وكالات السيارات وهذه الخسارة لا تمثل شخصية المواطن فقط بل تمتد إلى طبقات المجتمع الأخرى الذين ساهموا في نمو الناتج القومي بل أكثر من ذلك فإن آثارها تمتد إلى المستقبل الاستثماري ، نظرا لشعور التخوف وضعف الثقة في المركبات ووكلائها.

والعنصرالثاني المترتب على ضياع الأموال وتحويلها إلى الخارج يضعف ميزان المدفوعات في الدولة.

وهذا بحد ذاته يولد عنصرا ثالثا في تزايد الفساد الإداري والمالي في القطاعات المختلفة ، وإذا تأملنا في الدور الذي تلعبه هيئة حماية المستهلك في مكافحة الغش التجاري وإلى الوقائع والحقائق التي تنشرها حول استدعاء المركبات نجد أن هذه الشركات نشأت وسجلت وعملت طبقا لقوانين وتراخيص حكومية ، وهذه الشركات لها مراقبون فنييون في فحص المركبات قبل تسليمها إلى المستهلك كخطوة نهائية في عملية البيع ، مع ذلك نجد عدد كبير من المركبات تم استدعائها لأسباب فنية وصل الى أكثر من مليون مركبة خلال سنوات عديدة . ترى أين الخلل ؟ ولماذا يحدث ذلك ؟هل هناك نقص في التشريعات ؟ أم أن الجهات المعنية تتنصل من مسؤوليتها في حماية المستهلك ؟

الجواب لا هذا ولا ذاك ، ولأجل الوصول إلى التشخيص الدقيق يجب علينا فحص الخلل برؤية مختلفة وبمنظار مختلف وذلك بفحص جميع الوسائل المتعارف عليها في حماية المستهلك بقصد تطويرها ، وتحديثها وتزويدها بالفاعلية والقدرة على الانجاز السريع.

وذلك أولا :منع الإحتكار وهوأسوأ ما يمكن أن يصيب حقوق المستهلك فهو يؤدي إلى نقص الكفاءة وارتفاع الأسعار وتقليص فرص الاختيار الحرالمتاحة للمستهلكين ، ومقاومة الإحتكار لاتقتصر على الناحية التشريعية فحسب بل أن السياسات المطبقة لها دور كبير أيضا.

ثانيا : إصدار مواصفات قياسية فنية تتناسب مع البيئة العمانية في استيراد المركبات من الخارج ، وقبل دخولها إلى السوق المحلي يجب فحصها الكترونيا وهذا أمر حيوي لحماية المستهلكين.

ثالثا :إيجاد مختبرات تخصصية تعمل على مدارالساعة يوميا وبالكوادر المؤهله فنيا تستطيع التفاعل مع احتياجات هيئة حماية المستهلك

رابعا :إقامة المعارض للسلع المقلدة لتعريف الناس بها ،وهذه المعارض تعتبر خط الدفاع الأول في مقاومة الغش التجاري .إن ظاهرة السلع المقلدة مرض يهدد الإقتصاد الوطني ويقلق راحة الجميع واستمرار إقامة هذه المعارض يزيد من وعي المجتمع مضافا إليه إقامة الندوات التوعوية وفتح ورش العمل من أجل تدريب المواطن على معرفة كيفية التميز بين السلع الصحيحة والمقلدة.

ولأجل الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف لابد من الدعم المالي وتعزيز القوة المالية لهيئة حماية المستهلك مما يساعدها على مواجهة التحديات المختلفة في حالات الغش التجاري ، لأن ضعف الإمكانات المادية وغياب الكوادر الفنية والإدارية ونقص الوعي المجتمعي عوامل معيقه لحركة هيئة حماية المستهلك، ويوجد نوعا من ضعف الثقة والمصداقية في مناشطها.

كاتب وباحث في علم الاجتماع السياسي