الدبلوماسية.. ونظام الأسبقية في الحياة اليومية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٢/نوفمبر/٢٠١٩ ١٧:٠٨ م
الدبلوماسية.. ونظام الأسبقية في الحياة اليومية

سعدون بن حسين الحمداني

يعتبر نظام الأسبقية في المدارس والمعاهد الدبلوماسية من الأولويات التي تدرس فيها على مختلف الدرجات الوظيفية ابتداء من درجة الملحق الدبلوماسي وصولًا الى درجة السفير لأهميتها القصوى في البروتوكول والإتيكيت الحياتي اليومي الرسمي منها أو غير الرسمي. أن كلمة الأسبقية تعني في لغة العرب الأولويَّة /‏الأقدميَّة /‏ الاحترام /‏ التقدير. نظام الأسبقية يختلف من مكان ومناسبة إلى أخرى ففي الأمم المتحدة تكون الأسبقية للدول على الحروف الأبجدية الإنجليزية،وفي الجامعة العربية فالأسبقية للدول حسب الحروف الأبجدية العربية وفي مجالس الوزراء أسبقية الجلوس قرب رمز الدولة على قدم التعيين وكذلك أيضا في السلك الدبلوماسي فالأقدم والأطول فترة في الوصول للبلد الضيف يكون هو عميد السلك الدبلوماسي .

وهناك عدة أنواع من الأسبقيات كل منها يحتاج إلى مقال وشرح مفصل لأهميتها ولكن نختصر فقط للتنويه عنها وضرورة الالتزام بها والاطلاع عليها وأهم هذه الأسبقيات التي تستخدم كثيراً وغالباً ما نتحرج منها هي أسبقية الحفلات الخطابية/‏ أسبقية ركوب السيارة أو الطائرة/‏ أسبقية توافد ووصول دعوات زوجات المسؤولين/‏ أسبقية في مقاعد السيارة/‏ أسبقية الحضور والانصراف في المؤتمرات /‏ أسبقية مقاعد الجلوس الى المائدة /‏ أسبقية الاكل /‏ أسبقية حضور انشطة السفارة والوزارات/‏ أسبقية المشاركات المزدوجة باليوم والوقت/‏ أسبقية المشاركات في المناسبات الاجتماعية او الدينية/‏ أسبقية السير في الحضور في الدعوات مهما كان نوعها/‏ أسبقية مكان الجلوس/‏ أسبقية إرسال الدعوات الرسمية وشبه الرسمية/‏ وأخيرا أسبقية الكلام حيث يراعى فيها القواعد العامة فهناك جدولٌ للأسبقية الفردية بين أصحاب المناصب هم وزوجاتهم والمراكز عند حضورهم المناسبات والمآدب الرسمية.

كل هذه الانظمة والتعليمات في الأسبقية كان القرآن الكريم والمدرسة الإسلامية المعاصرة سباقة في وضع الخطوط العريضة لها منذ آلاف السنيين.

كان الإسلام أول ما قدَّر العلماء في كل الاختصاصات وأعطاهم منازلهم التي يستحقونها وفضلهم في الدنيا والآخرة ،قالى تعالى :» يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» )١١ المجادلة)، أما في الحياة الاجتماعية فلقد أعطى الإسلام الأسبقية للوالدين وهما كبار السن وكذلك للمرأة واليتيم والأقرباء ، كل له منزلته واعتباره، دون المساس بالآخرين أو الانتقاص من مكانتهم الاجتماعية ، وهذا قمة في الأسبقية والتقدير والعدالة تبدأ من الوالدين، قال تعالى: «قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَٰى « (٢١٥ البقرة) إنّ القرآن الكريم وكذلك رسولنا الكريم تحدَّث عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة ، ويحث على هذا لنسق الراقي في الحياة من احترام وتقدير وأسبقية في النظام لجميع شرائح المجتمع العائلي الاجتماعي أو الرسمي ابتداءً من العلماء /‏ الوالدين»كبار السن»/‏ المرأة/‏ الأطفال/‏ شرائح المجتمع المختلفة من حيث الأسبقية والاحترام والأولوية في كل شيء، قال تعالى:» وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ» ﴿١٦٥ الأنعام)

والمعنى في علم المنطق ليس فضلكم في الرزق أو التقوى فقط وإنما في شؤون الحياة عامة ؛ ليجعل الأسبقية لمن هو مجاهد بالحياة بكل إخلاص وتضحية من أجل هدف سامٍ ، لذلك فضله الله سبحانه وتعالى على الجالس الذي لا فائدة له بالمجتمع، وقال تعالى: « قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَاب» (9 الزمر) ليعطي البارئ –عز وجل- قمة في الأسبقية والأولوية بين نقيضين واتجاهين متعاكسين ألا وهما ،الأسبقية للذين يعملون وحتما عملهم مبتدأ بإيمانهم بعملهم وفائدة أنفسهم وعوائلهم ومجتمعهم .

وهذا ما تميز به الإسلام من احترام وتقدير وأولوية للجميع ابتداءً من الوالدين /‏ المرأة /‏ رفيق السفر/‏ والجار وغيرهم.

وفي الختام علينا مراعاة نظام الأسبقية بكل جدية ودقة ؛ لأن أي خلل في تنفيذه يعتبر سرقة لحق الغير إن لم تكن إهانة غير مقصودة فإذا تكلم الموظف قبل مديره بدون استئذان وإذ أكل الأبناء قبل والديهم وإذا وجهت دعوة رسمية لشخص ما قبل راعي الحفل كلها تعتبر إهانات للجهة الثانية وإن لم تكن مقصودة.