صورة الفقر

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢١/نوفمبر/٢٠١٩ ١٥:٥٤ م
صورة الفقر

يوين يون أنج

مُنحت جائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية لهذا العام، إلى أبهيجيت بانيرجي، وإستير دوفلو، ومايكل كريمر، تقديرا لمقاربتهم التجريبية للحد من الفقر. ومن وجهة نظر لجنة نوبل، فإن استخدام الاقتصاديين للتجارب المنضبطة المعشاة، وهي طريقة مقتبسة من العلوم الطبية، لاختبار ما إذا كانت إجراءات محددة قد «حسّنت إلى حد كبير من قدرتنا على مكافحة الفقر على مستوى العالم».

ولكن في حين يحتفل البعض بالاعتراف بطريقة جديدة لمعالجة مشكلة قديمة، فإن البعض الآخر يشك في أن «تقسيم هذه القضية إلى أسئلة أصغر وأكثر سلاسة»، وفقا لما قالته لجنة نوبل، يمكن أن يحد من الفقر على نطاق واسع حقًا. وما أغفلناه بشكل واضح في هذا النقاش هي تجربة الصين، التي شكلت أكثر من 70 ٪ من إجراءات الحد من الفقر في العالم منذ ثمانينيات القرن الفائت، وهو النموذج الأكثر نجاحا في التاريخ الحديث. وعلى مدار العقود الأربعة الفائتة، نجا أكثر من 850 مليون شخص في الصين من الفقر. ومع ذلك، كما يقول ياو يان من جامعة بكين، فإن هذا «لا علاقة له بالتجارب المنضبطة المعشاة «، كما أنه لم يتضمن منح المساعدات للفقراء- بل، كان ذلك نتيجة لتطور وطني سريع.

ومنذ أن أطلق دون شياو بين حملة «الإصلاح والانفتاح» في عام 1978، تابعت الصين التصنيع القائم على التصدير، وحررت القطاع الخاص، ورحبت بالاستثمار الأجنبي، وبالتجارة العالمية. وعندما انتقل ملايين المزارعين من الحقول إلى المصانع، كسبوا الأجور، وأنقذوا أطفالهم وأرسلوهم إلى المدرسة. وقد ساعد هذا، بالإضافة إلى طفرة في ريادة الأعمال الخاصة، على إنشاء أكبر طبقة وسطى في العالم.
إلا أن ما أخفق ياو في إدراكه هو أن سجل الصين المبهر في الحد من الفقر قد صاحبته مشكلتان خطيرتان- عدم المساواة والفساد. إذ عندما تولى الرئيس شي جين بين منصبه في عام 2012، بلغ معامل جيني للصين (المقياس القياسي لعدم المساواة في الدخل، حيث يمثل الصفر الحد الأقصى للمساواة، ويمثل واحد الحد الأقصى لعدم المساواة) 0.47، وهو أعلى مما كان عليه في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة. وأفادت دراسة استقصائية للأسر المعيشية الصينية معاملا أعلى بنسبة 0.61، أي نفس مستوى جنوب إفريقيا تقريباً.
إن مد البحر العالي يرفع العديد من القوارب، لكن بعضها يرتفع أعلى بكثير من غيرها. لذلك، في حين رُفع ملايين الصينيين فوق عتبة الفقر فقط، رُفع عدد منهم إلى ذروة الثراء. ولم تكن هذه مجرد مسألة حظ، أو حتى روح المقاولة: مع أن بعض الأثرياء في الصين جمعوا ثرواتهم عن طريق العمل الجاد والمجازفة، فقد فعل كثيرون آخرون ذلك عن طريق التحاور مع المسؤولين الحكوميين الراغبين في إعطاء الامتيازات المجزية مقابل الرشاوى.
وإدراكًا منه للمخاطر الناجمة عن ارتفاع معدل عدم المساواة، وانتشار المحسوبية، أطلق شي حملتين متزامنتين. تتعهد إحداهما بالقضاء على الفقر في الريف بحلول عام 2020، وذلك باستخدام تدابير «مستهدفة» لتخفيف وطأة الفقر، مثل توفير الوظائف، وإعانات الرعاية الاجتماعية. وتهدف الحملة الأخرى لاقتلاع الفساد. وتحت قيادة شي، حُوسب أكثر من 1.5 مليون مسؤول، بمن فيهم بعض كبار أعضاء الحزب الشيوعي الصيني.
وتتضمن تجربة الصين دروسا مهمة لاقتصاديات التنمية. أولا، في حين أنه يمكن للتجارب المنضبطة المعشاة، والبرامج المستهدفة التي تقيمها أن تلعب دوراً في الحد من الفقر، فإن أقوى وسيلة للقيام بذلك على نطاق واسع هي النمو الاقتصادي. وكما يُظهرلانت بريتشيت من جامعة أكسفورد، لم يصل أي بلد إلى النقطة التي يعيش فيها أكثر من 75٪ من جميع الأسر على أكثر من 5.50 دولار يوميًا حتى يتجاوز متوسط الدخل 1045 دولارًا سنويًا.
وبالنظر إلى هذا، ينبغي لأي شخص يهمه الحد من الفقر على نطاق واسع أن يسعى إلى فهم العوامل التي تدفع بعجلة النمو الاقتصادي المطرد، عن طريق دراسة التاريخ، والاقتصاد السياسي، والتجارة الدولية، وتفكير النظم (يربط أجزاء من استراتيجية التنمية). وإذا كانت التجارب المنضبطة المعشاة تعادل «السباكة»، كما يصفها دوفلو وبانيرجي، فإن تفكير النظم هو وضع خارطة لشبكة الصرف الصحي بأكملها، وإصلاحها. وببساطة، لا يمكننا أن نغفل عن الصورة الشاملة.
والدرس الثاني من تجربة التنمية في الصين هو أن النمو قد لا يكون دائمًا عادلاً. إذ هناك حاجة لبرامج الرعاية الاجتماعية، وتقديم الخدمات العامة مثل التعليم، والرعاية الصحية لتوزيع المكاسب الناتجة عن النمو الاقتصادي على نطاق واسع. وهنا، يمكن أن يساعد عمل الفائزين بجائزة نوبل لهذا العام، مع استخدام التجارب المنضبطة المعشاة على تقييم أداء التدخلات المستهدفة.
وأخيرًا، تعد الحوكمة التكيفية ضرورية. وعلى عكس حجة ياو بأن الصين تدين بنجاحها الاقتصادي لاتباع «نصيحة الاقتصاديين الكلاسيكيين»، فقد تحدت البلاد بالفعل العديد من الوصفات السياساتية القياسية- وأبرزها الاعتقاد بأن الديمقراطية على النمط الغربي ضرورية للتنمية.
وهذا لا يعني أن الحكم الاستبدادي مكّن الرخاء الصيني، كما يعتقد الكثيرون. إذ في ظل دكتاتورية ماو، عانت الصين من نتائج كارثية، بما في ذلك المجاعة الجماعية خلال القفزة العظيمة للأمام. وكان السر الحقيقي وراء الديناميكية الاقتصادية للصين هو «الارتجال الموجه»: تجريب السياسة المحلية بتوجيهات الحكومة المركزية.
وباختصار، إن مفتاح القضاء على الفقر هو النمو الشامل. ويتطلب تحقيق ذلك مجموعة من التدابير السياساتية الكلية، لتعزيز التنمية الوطنية والبرامج الصغيرة، التي تعالج نقاط ضعف محددة. ويجب على الاقتصادات الناشئة أيضًا تكييف استراتيجياتها الإنمائية مع تحديات القرن الحادي والعشرين، وخاصة التحول التكنولوجي والتهديدات المناخية. وهذا يتطلب مجموعة متنوعة من البحوث والأدوات. ولا توجد عصا سحرية لتحقيق ذلك.

أستاذة الاقتصاد السياسي بجامعة ميشيجان في آن أربور. وهي مؤلفة كتاب «كيف نجت الصين من مصيدة الفقر» ، وكتاب جديد بعنوان «عصر ذهبي في الصين»