الشعر العماني الفصيح في ظل الرعاية السامية

مزاج الثلاثاء ٠٣/ديسمبر/٢٠١٩ ١٢:٤٧ م
الشعر العماني الفصيح في ظل الرعاية السامية

مسقط - العمانية

عقدت لجنة رعاية المواهب الشعرية بديوان البلاط السلطاني محاضرة حول: «الشعر العماني الفصيح في ظل جلالة السلطان قابوس -حفظه الله ورعاه-»، تحت رعاية المدير العام لمكتب وزير الديوان بصلالة الشيخ أحمد بن عبد الله الرواس، وذلك بمجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفيه بصلالة.

قدمت المحاضرة الباحثة المغربية فاطمة بوهــــــراكه، التي تُعــــــِدّ أول موسوعة توثيقـــــية لشــــــعراء السلطنة في هذا العهد الزاهر الميمون، بإشـــــراف مباشر من عضو اللجنة، والمشرف على الفعـــــالية المذكورة الشيخ الدكتـــــور محمد بن سالم الحارثي.

وأضافت الباحثة المغربية تقول: ففي الوقت الذي سطع فيه نجم الشعراء الرجال قبل عصر النهضة لم يتم العثور في المقابل إلا على اسم الشاعرة الشيخة عائشة بنت عيسى الحارثية، التي رغم التوثيق لها في كتاب شقائق النعمان على سموط الجمان في أسماء شعراء عمان لمؤلفه الأديب محمد بن راشد بن عزيز الخصيبي إلا أنها لم تمنح المكتبة العمانية ديوان شعر لها مطبوعا خلال هذه الفترة، بينما غاب صوت نســــائي آخر هو اسم الشاعرة حسينة الحبسية -مثلا-، التي ذكرت في بعض التعريفات الموجزة في قصاصات إخبارية قليلة.
ولم تظهر التجربة الشعرية النسائية بالسلطنة -كما تقول- في شكلها المعروف والواضح إلا بعد طباعة أول ديوان شعر في عهد النهضة المباركة من قبل الشاعرة الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية عام 1986 م، تحت عنوان: مد في بحر الأعماق. لتأتي بعدها العديد من التجارب على الشكل التالي: هاشمية الموسوية ديوان إليك أنت عام 1993، وتركية البوسعيدية ديوان أنا امرأة استثنائية عام 1995 وفاطمة الشيدية ديوان هذا الموت أكثر اخضرارا عام 1997 ونورة البادية ديوان للشاهين جناح حر 1999 م .

جيل التسعينيات

وتابعت الباحثة المغربية القول: «إذا كان البعض يرى أن جيل التسعينيات لا يشكل جيل ترتيب الأوراق بين السابقين واللاحقين من الشعراء فأنا أرى عكس ذلك تماما؛ فقد استطاع هذا الجيل أن يشكل ملامح التجربة الشعرية العمانية بثرائها وتنوعها الشكلي والموضوعي، وهذا ما يؤكده لنا ظهور مجموعة كبيرة من شعراء السلطنة ممن استطاعوا تحويلها من القصيدة العمانية المحلية إلى القصيدة العربية والعالمية -أيضا-؛ فقد اتسم هذا الجيل عن غيره بشمولية التجربة الكونية وانفتاحها فكريا وثقافيا رغم اتكائه على الموروث الشعري الكلاسيكي العتيد».
بعدها تحدثت عن دور الصحافة والإعلام وحركة طباعة الكتب والدواوين الشعرية، ومدى تأثر التجربة العمانية الحديثة بالاتجاهات الأدبية في الخليج بعامة، وفي مصر وبلاد الشام. ومثلت على ذلك، ونوهت -مقتبسة- إلى: (أن الجامع الذي يجمع أصحاب كل تلك التيارات هو صدورهم جميعا عن عمود الشعر في مكونه الأساسي وهو الوزن الخليلي، ومن هؤلاء الشعراء محمود الخصيبي، وذياب بن صخر العامري، وسيف الرمضاني، وعلى بن شنين الكحالي، وعبد الله بن صخر العامري وهلال السيابي وهلال الحجري وغيرهم كثير). وأوضحت كيف أن الشعر العماني شهد تطورا جذريا مع هؤلاء المثقفين الجدد تحت تأثير سياقات ثقافية عربية وغربية، وقد عززت من هذا التطور نشأة الصحافة العمانية التي أصبحت منبرا للأدباء، يقدمون من خلالها إنتاجهم، ويعرضون فيها آراءهم وأفكارهم.

الشعر العماني

وحول الجانب الوطني بينت أن الشعر العماني أخد النصيب الأوفر من وجدان شعرائه، لدرجة أن بعضهم أصدر دواوين بأكملها في هذا السياق، مثل عبد الله الطائي في دواوينه: (الفجر الزاحف) و(وداعا أيها الليل الطويل)، وقصائد هلال السيابي الحنينية مثل: (قسماً يا أخي....)، وكذلك قصائد أبوسرور، وسيف الرمضاني، وعلي بن شنين، وعبد الله بن صخر، وغيرهم كثير، والتي مثلت جانب الوطن في نهضته التنموية على كافة الأصعدة؛ مما جعلها تؤثر على الصعيدين الفكري والشعري بشكل خاص.
هذا الشعر الذي شكل جيل سبعينيات القرن الفائت لبناته الأولى ليحظى جيل التسعينيات بنتائج الجيل الأسبق فينفتح على تجارب مختلفة شكلت ملامح القصيدة العمانية لاحقا، وبعد أن كانت متأثرة بما حولها فقد تحولت بدورها إلى قصيدة مؤثرة في العالم بأسره، من خلال حصد الشعراء العمانيين على جوائز دولية مهمة، لتؤكد القصيدة العمانية حضورها الفعلي في محافل الشعر الكوني بمختلف تجلياتها الإبداعية شكلا ومضمونا.
وتختم المحاضرة بالقول: «باعتقادي الخاص أن هذا التطور الإيجابي في المشهد الشعري العماني -شكلا ومضمونا- لم يكن له النجاح لولا الدعم الكبير من قبل الجهات الرسمية، وعلى رأسها قائد البلاد المفدى جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، الذي أعطى للشعر والشعراء مكانة خاصة في المشهد الثقافي العماني منذ اعتلائه عرش أسلافه الكرام، لتتشكل لنا خصوصية التنوع التي يمكننا حصرها في ما يلي : شعر كأنه وراثي وطول النفس الشعري للقصيدة العمانية خاصة السبعينية والقصيدة العمانية تعتمد على الإنشاد أكثر من الإلقاء واعتماد الشعراء الشباب على اليوتوب والجانب الوطني موجود بشكل واضح فلا تكاد تجد شاعرا عمانيا لم يكتب قصيدة وطنية وحضور المرأة الشاعرة منذ تسعينيات القرن الماضي حضور لافتا عكس الفترات الزمنية السابقة.
واختتمت المحاضرة بتأكيد مكانة القصيدة العمانية، التي استطاعت أن تبني لها أساسا منذ أزمان طويلة جدا، لكنها لم تعرف الانتشار الذي تستحقه إلا مع بدايات النهضة التي قادها جلالته -حفظه الله-، لتشكل لنفسها جسر وعي وسلام منبعثا من وطنها إلى بقية الأوطان.