قضم السيوح وجرح الجبال : إلى متى

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٤/ديسمبر/٢٠١٩ ١٢:١٢ م
قضم السيوح وجرح الجبال : إلى متى

سمعان كرم

منذ ان جئت عمان عام 1970 وأنا أتنقل في سهولها وجبالها وصحاريها وأوديتها وشواطئها. أتجول مندهشاً بجمال المناظر المختلفة التي صنعتها الطبيعة على مر ملايين السنين، والتي لم تشوهها يد الانسان ومعداته. كم من مرةٍ مشينا على ارض قد لايكون وَطَأها احدٌ قبلنا وكأنها وجُدت لنا وحدنا، كم من زمانٍ مضى وبقيت عذراءً نقية الى ان امتدت عليها المشاريع والمباني فجرحتها وعبثت بها في احيانٍ كثيرة. ولا بأس ان تقام عليها المدن وخدماتها، فهي كريمة مضيافة، لكن ان يتم هذا على حساب جمالها وعفتها فهذا ليس محبباً ولا مقبولاً.

لنأخذ مواقع الكسارات والغرابيل التي تنتج مواد البناء ومحاجر المواد التي تستعمل لبناء الطرق وبخاصة على الباطنة. كم اكلت معدات الانسان من باطن السيوح تاركة وراءها حفراً حزينة ترتفع في وسطها ماتبقى من شجيرات السمر، معزولة عن اخواتها وكأنها على جزيرة في بحر كئيب لا يقرب منها الحيوان ولا ينعم بظلها الانسان. كم من المساحات تشوهت وباتت مصيدة للغبار والنفايات المتطايرة.

ماهو البديل والناس تحتاج الى تلك المواد لبناء سكنها وبنيتها الاساسية. ان الله اعطانا جبالاً وتلالاً من جميع الاصناف والألوان والصلابة كان بالإمكان ان نستخرج منها بطريقة علمية كل مانحتاجه من مواد دفانٍ وكنكري ورملٍ دون ان تترك آثارا بشعة على الطبيعة. كيف يتم ذلك؟ لو القينا الضوء على الطريقة التي تم بها تجهيز وتسوية موقع مبنى مجلس عمان في مسقط مثلاً والذي يجلس اليوم مكان جبال كانت تحتله، نلاحظ ان الطبيعة المحيطة به لم تتأثر ابداً. ونجم عن تلك الحفريات كميات كبيرة من التراب والصخور كان بالإمكان استعمالها لانتاج المواد المطلوبة. مثال آخر على حسن طريقة قطع الجبال هو مركز ’اللولو‘ في دار سيت. هل من احد يتذكر انه كان هناك جبل لم يبق له اثر. لو استعملنا هذه الطريقة العلمية المدروسة لإستخراج المواد من الجبال المختلفة لما اضطررنا لقضم السيوح، لا بل نكسب اراضي جديدة لو استبدلناها بالجبال.

كلما اخذتُ طريق ’الداخلية‘ واقتربتُ من فنجاء ونظرتُ الى الجبال على يمين الشارع اراها تصرخ من الألم تحت وطأة المعدات التي تعبث في احشائها دون اي نظام او مسؤولية فأشعر بالحزن. لماذا كل ذلك الضرر (حامو) كل ذلك من اجل استفادة مادية لاتذكر.

وكلما شاهدت خطوط نقل الكهرباء بالتوتر العالي وهي تقفز الجبال من هضبة الى اخرى واعمدة الهواتف النقالة وابراج الاتصالات اتألم مع الجبل الذي جُرحت خاصرته لشق طريق بُني بشكل تعسفي دون ادنى محاولة لتسوية الموقع وإعادته على ماكان عليه. كم من جبل قطع اعلاه لإستخراج الرخام فبقي جثة هامدة دون رأس. كم من تلة غابت معالمها لتحمل خزان مياهٍ. كم من مردم فُرض على جبالٍ ابية مثل المردم الضخم بين الجبال الواقعة خلف عنابر الحبوب في ميناء السلطان قابوس. وكم رؤوس جبال قد اينعت (وحان قطافها؟) وقد قطعت فعلاً في مطرح وروي شرقي مبنى البلدية فتغيرت المعالم.

وإن جئت على الخط السريع من مدينة السلطان قابوس الى دوار القرم، ترى بقايا حفريات مشروع خزانات مياه القرم وترى محاولات يائسة لتجميل مسار خط مياه دفين من رش خرسانة على سفح الجبل دون اي انتظام جمالي. ناهيك عن مساهمة المواطنين في التشويه بعد ان يحصلوا على امتداد لأراضيهم. فهذا يدخل في حرم الوادي ويردمه متحدياً المياه التي ستغلبه يوماً، وذاك يقطع عشوائياً في سفح الجبل القديم وآخر يرمي في منخفضات كمياتٍ هائلة من دفان مستعار ليكسب بعض الأمتار المربعة لحديقته.

وان زرت حقول النفط وتنقلت على الطرق الترابية التي تربط مواقع الحفر والاستكشاف والانتاج ترى فوضى الشركات التي تحفر المحاجر على يمين ويسار الشارع دون اي جهدٍ لتهذيب الموقع كي يتماشى مجدداً مع محيطه فلا يسبب الضرر للأجيال القادمة. هنا كومٌ من التراب، وهناك حفرة مهجورة. لو كلفتْ شركات الانتاج نفسَها بفرض المراقبة على حفاظ البيئة وجماليتها لخف التأثير السلبي عليها وعلى ما تحمله من نباتات هزيلة ورقيقة. نفس المشهد نراه على الطرق الترابية التابعة للبلديات والنقل ( 17,000 كيلومتر). ولا نتكلم هنا عن مخلفات التعدين وما تشكل من مشاهد كئيبة لأرضٍ بريئة. زيارة لمواقع استخراج النحاس في مجان تعطيك الصورة الواقعية.
لا نود هنا من إنتقاص مساعي وزارة البيئة للحفاظ على استدامة البيئة العمانية والجهود الكبيرة التي تقوم بها بل المطلوب هو إعادة النظر بمواقع المحاجر، والعبث بالجبال الجميلة، وقضم السيوح والسعي للحفاظ على جمالية المشاهد.