منع الضرر بين أوروبا ولندن

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٨/ديسمبر/٢٠١٩ ١٣:١٣ م
منع الضرر بين أوروبا ولندن

جين بيساني

باريس-لا يوجد شيء مسلم به في المملكة المتحدة هذه الأيام، لكن من المحتمل جدًا، أن يكون عام 2020، هو العام الذي ستخرج منه بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومن المحتمل أن تشعر غالبية مواطني المملكة المتحدة بالارتياح لوضع حد لهذه المعاناة، التي لا نهاية لها على ما يبدو. في حين أن معظم القادة الأوروبيين سيكونون سعداء، على الأرجح، لأنهم لن يجادلوا بشأن تأجيل آخر. ولكن ستكون هناك أسئلة عالقة.

والجواب على سؤال «من الذي فقد بريطانيا؟»، يجب أن تكون الإجابة هي أولاً وقبل كل شيء بريطانيا نفسها. إذ بغض النظر عن الأخطاء التي من الممكن أن يكون أعضاء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرون الآخرون قد ارتكبوها، لا يمكن اعتبارهم مسؤولين عن السلوك الاستثنائي لحكومات المملكة المتحدة الثلاث الهواة، في السنوات الخمس الفائتة.

ومع ذلك، هناك دروس أعمق يمكن استخلاصها مما حدث في بريطانيا. أولها، كما قال وولفغانغ مونشاو في الفاينانشيال تايمز، هو أن المملكة المتحدة قد خسرت المعركة من أجل عضوية الاتحاد الأوروبي، قبل أن تخوضها بوقت طويل. إذ منذ التسعينيات من القرن الفائت، كان كبار النقاد، ووسائل الإعلام يصورون الاتحاد الأوروبي، بشكل روتيني، على أنه بيروقراطية خائفة مهووسة بتوسيع سلطتها الخاصة؛ لقد تجرأ عدد قليل من كبار السياسيين على مواجهة هذه الأحكام المسبقة.

ولسوء الحظ، هناك اتجاهات مماثلة تبدو واضحة حاليًا في بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى. إذ في فرنسا، يميل 56 % من المواطنين إلى «عدم الثقة» في الاتحاد الأوروبي، شأنهم في ذلك شأن العديد من نظرائهم في المملكة المتحدة. والناخبون من الطبقة العاملة سلبيون بشكل خاص. أما درجة الثقة في الاتحاد الأوروبي فهي أقوى في ألمانيا، لكن سياسات البنك المركزي الأوروبي تتعرض للهجوم. إذ على مدار سنوات، راجت قصص رعب حول تحويلات خفية إلى الجنوب. وتزعم صحيفة «بيلد» الألمانية، الأكثر مبيعًا الآن، أن المدخرين الألمان خسروا 120 مليار يورو (132 مليار دولار) خلال فترة ولاية رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، ماريو دراغي (أو «كونت دراغيلا»، كما أطلق عليه المحررون). ويجد الكثير من السياسيين، على غرار نظرائهم البريطانيين، أنه من الأسهل التبصر لمثل هذه التصورات بدلاً من معارضتها. وهذا يمهد الطريق لردود الفعل المستقبلية.

وفي الوقت نفسه، يجب ألا يعفي الاتحاد الأوروبي نفسه من مراجعة الذات. إذ عندما سعى ديفيد كاميرون، رئيس وزراء المملكة المتحدة آنذاك، إلى فرض قيود مؤقتة على المهاجرين من أوروبا الوسطى والشرقية، ربما كان من المستحسن التوصل إلى حل معه. وبعد أن بدأ الاتحاد الأوروبي مفاوضات بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع خليفة كاميرون، تيريزا ماي، ربما كان من الحكمة الاستجابة لنداءاتها من أجل ترتيب «مصمم خصيصا» للمملكة المتحدة. ومنذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في يونيو 2016، كان أعضاء الاتحاد الأوروبي ال27 متحدين اتحادا مدهشا، ومتسقين اتساقا ملحوظا، ومفتقرين إلى الاستراتيجية إلى درجة تثير الذهول. ولم يكن الدافع وراء موقفهم هو الرغبة في الحد من الأضرار المتبادلة، بل الخوف من أن يؤدي أي تخفيف في المفاوضات مع المملكة المتحدة إلى مزيد من التفتت. وأخفت قوتهم الظاهرة الضعف الداخلي لديهم.

وما حدث في الماضي يبقى في الماضي. ويجب أن تكون أولويات الاتحاد الأوروبي الآن، هي الحفاظ على التعاون المتبادل المنفعة، وتجنب خطر متابعة المملكة المتحدة لاستراتيجية المنافسة التنظيمية العدوانية.

ومن المرجح أن تستمر المبادرات الدفاعية المشتركة التي تشارك فيها المملكة المتحدة، والشركاء القاريون، ومن المؤكد أن التعاون داخل النظام المتعدد الأطراف سيستمر، وربما تزدهر المشاريع المخصصة. ولكن الخسارة الكبيرة في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد تكون التكامل الاقتصادي مع السوق الأوروبية الموحدة. إن المسمار مسمار، والبرغي برغي. ولكن المملكة المتحدة لم تعد تنتج مسامير وبراغي. إنها مصدر رئيس للخدمات المصرفية، والتأمين، والمحاسبة، والاتصالات، والخدمات المهنية، نصفها يذهب إلى الاتحاد الأوروبي. وفضلا عن ذلك، تخضع معظم هذه الخدمات لقوانين تنظيمية.

وإذا كان شعار «استعادة السيطرة» لمؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني أي شيء، فهو يعني استبدال قوانين المملكة المتحدة بتشريعات الاتحاد الأوروبي. وفي اليوم التالي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيكون النظام التنظيمي لبريطانيا مطابقًا لنظام الشركاء التجاريين للاتحاد الأوروبي ، لأن قانون الإلغاء الذي أصدرته المملكة المتحدة عام 2018، نسخ جميع قوانين الاتحاد الأوروبي في التشريعات المحلية. ولكن نظرًا لأن البرلمان البريطاني يعدل هذه القوانين تدريجيًا، ويدخل الاتحاد الأوروبي قوانين جديدة خاصة به، سيبدأ النظامان القانونيان في التباعد. والسؤال هو: إلى أي مدى يمكن أن يتباعدا دون تعريض الروابط الاقتصادية للخطر، وتدمير الرفاهية؟
وهناك احتمالان. الأول هو أن المملكة المتحدة تعتمد قوانين تختلف عن تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي، ولكنها تستند إلى نفس المبادئ الأساسية. إذ على سبيل المثال، يمكن أن تكون هناك طرق مختلفة لضمان أن تقدم عقود التأمين نفس درجة حماية المستهلك، أو لدعم معايير أخلاقيات علم الأحياء. وفي هذه الحالة، ستجسد القوانين الوطنية في المملكة المتحدة طرقًا مختلفة للتنظيم، ولكنها لا تخلق سوى عقبات محدودة أمام التجارة في الخدمات.
والاحتمال الثاني، مع ذلك، هو أن المملكة المتحدة تحاول تقويض تشريعات الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السيناريو- الذي يطلق عليه في كثير من الأحيان «سنغافورة على نهر التيمز»- ستفرض بريطانيا معايير أقل صرامة للاستقرار المالي، وتكون أكثر ليونة على حماية البيانات، أو ربما تخفف قوانين العمل لديها، على أمل جذب المزيد من المستثمرين، وبيع خدمات أرخص. وستعتبر مثل هذه الخطوة غير متعاونة من جانب شركاء المملكة المتحدة الأوروبيين، وهو اعتبار صائب، وستؤدي إلى منع الاتحاد الأوروبي وصول مصدري الخدمات البريطانية إلى الأسواق (ومعظمهم حاليا يزودون عملائهم القاريين مباشرة من قاعدتهم في المملكة المتحدة).

أي طريق سوف تتبعه بريطانيا؟ إن الخيار الأمثل، هو أن تتفق مع الاتحاد الأوروبي على مبادئ مشتركة، والالتزام بالتمسك بها بمصداقية، ولكن نظرًا لأن بعض مؤيدي البريكسيت الأكثر تصميما يحلمون صراحة باستكمال ثورة تاتشر، وتحويل المملكة المتحدة إلى جنة منخفضة التنظيم، فإن الاتحاد الأوروبي يشعر بالقلق. وهناك خطر كبير يتمثل في حدوث تصاعد سلبي في إلغاء القيود البريطانية العدوانية، وتشديد الاتحاد الأوروبي الفعال، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة على تجارة الخدمات.

ولا ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يطلب من المملكة المتحدة أن تنسخ تشريعاته بشكل أعمى. ولكن يجب أن يوضح أن المنافسة التنظيمية العدوانية غير مقبولة، وأن يقدم للحكومة البريطانية خيارًا بالأبيض والأسود: إما أن توافق على الالتزام بالمبادئ المشتركة، وممارسة ضبط النفس التنظيمي من أجل الحفاظ على وصول جيد إلى السوق الأوروبية، أو أن ترفض- وتعرض الشركات البريطانية لفرض قيود شديدة وشاملة، على قدرتها على التصدير إلى أوروبا.
وإن افترضنا حدوث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فمن المحتمل أن يتذكر مؤرخو المستقبل سنة 2020، باعتبارها العام الذي اختارت فيه أوروبا الضعيفة، والهشة، أن تجعل نفسها أضعف وأكثر هشاشة. إن مهمة قادة أوروبا الآن، هي الحيلولة دون أن تسوء الأمور.

أستاذ في كلية هيرتي للإدارة في برلين، ويشغل حاليا منصب المفوض العام لشؤون التخطيط السياسي للحكومة الفرنسية