نحو ترسيخ ثقافة الحوكمة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٩/ديسمبر/٢٠١٩ ١٢:٢٢ م
نحو ترسيخ ثقافة الحوكمة

علي بن راشد المطاعني

خطت حوكمة الشركات في السلطنة خطوات طيبة أسهمت في تعزيز الشفافية والنزاهة في إدارة الشركات المساهمة العامة، وبلورت سلوكيات جيدة في فصل الصلاحيات بين مجالس الإدارات والإدارات التنفيذية، إلا أن الحوكمة كثقافة في المجتمع ما زالت دون المستوى المطلوب، ويفرض عدم استيعابها من قبل الأفراد ضغوطا على مجالس الإدارات والإدارات التنفيذية، وهي بذلك تحتاج إلى جرعات كبيرة توجه للتوعية وتغيير سلوكيات المجتمع بنحو يسهم في الارتقاء بها كثقافة يستوعبها ويعمل بها الجميع، الأمر الذي يفرض على الجهات والشركات أن تتبنى مفهوم التوعية بثقافة الحوكمة كهنج وسلوك يتطلب أن يعرفه الجميع ويعملوا به.

لا شك أن جهود الهيئة العامة لسوق المال من خلال التشريعات التي أصدرتها والرقابة التي فرضتها على الشركات ومجالس إداراتها أثمرت الكثير من التغيرات في منهجية العمل في الشركات المساهمة خلال الفترة الماضية وبلورت الحوكمة ومفاهيمها في فض التداخل في الاختصاصات بين مجالس الإدارات والإدارات التنفيذية، وفرض الرقابة على القرارات والأعمال في الشركات بما يسهم في إحداث تغيرات كثيرة في منهجية العمل في الشركات.

في الواقع إن مركز الحوكمة والاستدامة كجهة تابعة للهيئة العامة لسوق المال ولكنه مستقل إداريا وماليا ويعمل كمؤسسة غير ربحية في ترسيخ الحوكمة كثقافة وسلوك، وفي التعاطي مع العمل في الشركات المساهمة العامة من خلال ما يقوم به من توعية وتقديم خبرته والمشورة إلى مجالس الإدارات والمساهمين، هي خطوات جعلت السلطنة من أفضل الدول في المنطقة من حيث حوكمة الشركات تنظيما وممارسة، الأمر الذي يبعث على الارتياح للخطوات التي اتخذت في هذا الصدد وفي وقت مبكر يحتاج من التعزيز المادي والمعنوي ما يكفي لأداء دوره بشكل أكبر وفق ما يتطلبه الواقع في المضي في ترسيخ الحوكمة كسلوك وثقافة في المجتمع وأجهزة الدولة.

إن الحوكمة تعد مطلبا مهما في إدارة العمل في كل الجهات في الدولة كإحدى ركائز التقدم والتطور في أي دولة وتسهم في إضفاء الإدارة العلمية للعمل وفق الأنظمة والتشريعات، فترسيخ الحوكمة كثقافة تسهم في تصحيح الكثير من الممارسات المجتمعية التي تدفع بالقائمين على مجالس الشركات والإدارات التنفيذية وكل الوحدات الحكومية التداخل في مهام كل منهما وأخذ صلاحيات كل طرف بدون وعي للأطر التي تحكم العلاقة بينهما، وتفصل بين الاختصاصات وهو ما يتطلب التوعية به في المرحلة القادمة لكي تكتمل حلقات ثقافة الحوكمة في الأجهزة الحكومية والشركات والمجتمع معا.

فعلى الرغم من أن المركز ليس جهة تشريعية بل هو مؤسسة غير ربحية أو ما يمكن أن يطلق عليه (بيت خبرة) في الحوكمة يهدف إلى تعزيز ثقافة الحوكمة من خلال بث الوعي بكل الوسائل والتأكيد على الممارسات الإيجابية التي تحترم قواعد العمل الإدارية وسلوكياتها.

إلا أن هذه الجهود تحتاج إلى رفد في المرحلة القادمة لما تشكله من أهمية في توسيع أوعية التوعية بالحوكمة، ليس في الشركات المساهمة العامة فحسب وإنما أيضا في القطاع الحكومي والارتكاز عليه كبيت خبرة في وضع الكثير من الأسس التي يمكن أن يعمل عليها القطاع العام، خاصة ورؤية عُمان 2040 تعتمد الحوكمة كأحد أهدافها ومحور من محاور عملها التي يتطلب تحقيقها في السلطنة كفرض عين، لا تتأتى إلا من خلال الأطر القانونية والتوعية الهادفة لترسيخها كثقافة لدى المجتمع تنفض غبار الممارسات الخاطئة وترسم الطرق الصحيحة لإدارة العمل في أجهزة الدولة.

نأمل أن نستفيد من تجربة الحوكمة في الشركات المساهمة العامة وما قطعته رغم الضغوط المجتمعية غير الواعية لمتطلبات العمل، وتسخيرها في القطاع العام لتكتمل الحلقات الهادفة إلى تعزيز النزاهة والشفافية وفض تضارب الاختصاصات وتنازع الصلاحيات على نحو يحقق ما نتطلع إليه في سيادة النظام الإداري والمالي على كل المستويات والأصعدة.