أشهر رسائل أئمة الحرمين وبعض الأدباء للسلطان العماني حمود بن محمد البوسعيدي

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٢/ديسمبر/٢٠١٩ ١١:٥٤ ص
أشهر رسائل أئمة الحرمين وبعض الأدباء للسلطان العماني حمود بن محمد البوسعيدي

نصر البوسعيدي

« أبوي العزيز أنا شاكر على هذا الزنبيل أو القرطل جدا .. أنا ما عنيت الزنبيل أو القرطل الإنكليزي ولكن أردت الزنبيل أو القرطل العربي ولكن هذا سيدي سيعمل مطلوبي .. هل تعطون أمرا حتى أقدر أحصل على أي شيء أريد من الدكان إذا ما أعطيتم أمرا انهم ما يعطونني شيئا ما سمعت منكم منذ بعض الوقت ولكن أرجو وصول خط منكم عن قريب .. هل ترسلون لنا بعض التحايف لشان عطاء عيد كرستماس .. تفضلوا أرسلوا لنا التحايف سريعا أخاف ما عندي شيء كثير أقول اليوم لأنه ليس زمان كثير منذ كتبت إليكم في الماضي ... سلموا على أمي وعلى أخواتي وأخي وعماتي وعلى الكل الذي يسأل عني وعلى جنرال ماثيوت أيضا .. من ولدك المحب علي بن حمود».

حينما مات السلطان العماني في زنجبار حمد بن ثويني البوسعيدي سنة 1896م، استحوذ مباشرة السيد خالد بن برغش على الحكم رغم الجميع، ومنهم الإنجليز الذين كانوا يخشون من حكم السيد خالد لأنه الأقرب ميولا للألمان وهذا ما يتخالف مع المصالح الإنجليزية والمعاهدات التي أبرموها مع سلاطين زنجبار، لذا طلبوا منه بأن يترك الحكم فورا وإلا فإن مدفعيات السفن الحربية الإنجليزية ستقصف القصر، وفي هذه الأثناء رفض خالد التنازل عن الحكم لتبدأ مباشرة بعد هذا التحدي القصف البريطاني على مقر اقامته والذي تدمر ومات العديد من جنده فتركه وذهب لاجئا للسفارة الألمانية حتى كانت نهايته النفي والطرد من زنجبار!

بعد أقصر حرب في التاريخ استمرت لدقائق لإسقاط حكم السيد خالد، تم تعيين ابنه عمه السيد حمود بن محمد بن سعيد بن سلطان البوسعيدي سلطانا على زنجبار، والذي كان مسالما ولا يشكل حكمه صداما مع المصالح الإنجليزية بل كان متوافقا معهم كحلفائه الأهم بالمنطقة وفق المعاهدات التي أبرمها جده مؤسس الإمبراطورية العمانية السيد سعيد بن سلطان.

كان السلطان حمود بن محمد ومنذ بداية حكمه لزنجبار محبا للعلم والعلماء والأدباء، بل كان متفاعلا متواصلا معهم بكل تواضع ونبل كريم، وكان الجميع يراسله بكل تودد من مختلف دول العالم العربي فمنها المراسلات التي بعثها العلماء والأدباء والشعراء والمثقفون والصحفيون والمخبرون وكذلك أفراد العائلة الحاكمة في مسقط وزنجبار.

هنا سأحاول أن أبرز لكم بعض هذه المراسلات لنقرأ سويا تلك الأسطر المكتوبة بلغة ذلك الزمان والتي يتضح من خلالها مكانة هذا السلطان العماني في قلوب الكثير من أبناء الوطن العربي وتأثيره الكبير عليهم كزعيم عربي له مكانته بين الأمم، ومنهم أئمة الحرم المكي واشراف المدينة المنورة والذين كانوا ذوي مكانة رفيعة بين المسلمين، لا سيما ونحن نتحدث عن أئمة واشراف أطهر بقاع الأرض المقدسة، لذا سأدون لكم هنا مختصرا بعض الشيء عن أبرز ما تم إرساله للسلطان حمود البوسعيدي من قبل هؤلاء الأشراف والأئمة..

ولتكن البداية مع رسالة نقيب الأشراف بالمدينة المنورة ومفتي الشافعية فيها بعهد الدولة العثمانية (السيد علوي بن أحمد بن عبدالله بافقيه) والذي كان من اشهر الدعاة للجهاد في الحرب العالمية الأولى منحازا للعثمانيين وحلفائهم حتى وفاته في القدس عام 1333هـ، هذا الفقيه كتب رسالته للسلطان يبعث من خلالها السلام والدعاء بالخير ويطلب من السلطان مراسلته وقبول بعض هداياه البسيطة قائلا فيها :

« من المدينة المنورة إلى زنجبار ... بسم الله الرحمن الرحيم .. حضرة مولانا السلطان السيد حمود بن -محمد- بن سعيد بن سلطان حفظه الرحيم الرحمن الحمد لله تعالى وحده وصلى الله على من لا نبي بعده سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. اللهم يا من له الاسم الأعظم وهو أعظم .. نسألك باسمك العظيم ونتوسل إليك بجاه نبيك وحبيبك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد العرب والعجم وبأهل بيته وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.. أن تلحظ بعين عنايتك الربانية وتحفظ بسور وقايتك الصمدانية حضرة من خصصته للرتبة العلية والسلطنة السنية ومنحته العدل والإنصاف بين الرعية وسربلته بملابس العز والإقبال والسعادة والإجلال حضرة مولانا السلطان المعظم والملك الأفخم مدبر أمور جمهور الأمم خلد الله دولته وأعز صولته آمين.. أما بعد فإنه لما كانت الرسائل من أعظم الوسائل تجاسرنا بتقديم هذا الكتاب لأعتابكم العلية نائبا عنا لتقبيل الايادي الكريمة وللاستفسار عن صحة تلك الحضرة الفخيمة أدام الله عزها وبقاءها لما قد اشتهر عن دولتكم من مكارم الاخلاق والهمم العلية التي يرضى بها الخلاق فها نحن باسطين أكف الضراعة متوسلين إلى الله سبحانه وتعالى بجاه سيدنا محمد نبي الشفاعة أن يديم ملككم ويخلد عزكم وينصركم على عدوكم ويحفظكم من جميع الأكدار والأشرار وينصركم نصرا عزيزا على اللئام الفجار ويبلغكم كل المرام من خير الدنيا ويوم القيام ونرجو من المكارم أن تلاحظونا بأنظاركم الأكسيرية وتتفضلوا علينا بكتبكم البهية مع ما يبدو لمكارم دولتكم من الخدم، فمحبكم واقف ومستعد ولكم الفضل ونسال الله الكريم لكم التوفيق مع التأييد هذا ما لزم عرضه ودمتم محفوظين ومن الأكدار آمنين بجاه سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم.. والواصل إليكم شيء حقير بقصد البركة من تبركات المدينة المنورة علبة تمر وعلبة سكر نبات تفضلوا بقبوله .. صحبه الشيخ سالم بن عزان ..

محرم الحرام 1319هـ .. الداعي لكم بالخير شيخ السادة ونقيب الأشراف بالمدينة المنورة السيد علوي بن المرحوم السيد بافقيه العلوي الحسيني المدني الله وليه «.
أما قاضي وفقيه المدينة المنورة وشاعرها وإمام مسجدها النبوي الشيخ (عمر بن عبدالمحسن الكردي الكوراني) المتوفي سنة 1351هـ فقد أرسل للسلطان حمود البوسعيدي رسالة قصيرة معبرا فيها عن وده وامتنانه مخبرا إياه بأنه أصبح إماما للمسجد النبوي بالمدينة فكتب إليه :

« بسم الله الرحمن الرحيم له الحمد وصلاته وسلامه على رسوله خير الأنام وعل آله وصحبه الكرام .. أُنهي إلى مقام السيادة والإقبال وبدر مطلع عرش الملك والإجلال بعد لثم الأذيال الكريمة وأداء وظائف الأدعية المستديمة إنني بظل توجهات الحضرة الحمدوية قد تشرفت بلثم العتب النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التحية مرتلا صنوف الأدعية الخيرية للمقام الملوكي العالي الشأن ولسمو سيادتكم متبع اللطف والإحسان ملتمسا النيابة عني بلثم أقدام دولة ولي النعم مولانا السيد الملك المعظم السيد حمود أدام الله تعالى أيامه ونشر في الخافقين أعلامه وتقديم أسنى التشكرات لحضرة الوزير الأعظم الجنرال متيوس وأياديكم الكرام مقبلة في البدء والختام .. العبد الداعي عمر بن عبدالمحسن الكردي الخطيب والإمام بمسجد خير الأنام صلى الله عليه وسلم «.

وبالنسبة للأدباء والمؤرخين الذين كانوا على علاقة جيدة بالسلطان حمود فهم كثيرون ولا أستطيع خشية الإطالة من ذكرهم جميعا، إلا أنني ارتأيت أن أضع لكم مراسلة أحد أشهر أديبات العرب في زمانه وهي الأميرة الإيطالية اللبنانية ( ألكسندرا مليتادي أفيرينوه ) التي تبنتها زوجة أمير إيطالي من أسرة فزينوسكا لتصبح واحدة من أميرات هذه العائلة، وبعض المصادر تشير أن الكسندرا مليتادي من أصل لبناني ووالدها اسمه قسطنطين الخوري وانتقلت معه للعيش في مصر وتزوجت بإيطالي اسمه (مليتادي دي أفيرينوه) وأسست هناك مجلة اسمها أنيس الجليس سنة 1898م، وكانت على علاقة جيدة جدا بحاكم مصر أنذاك الخديوي عباس حلمي حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، فما أن انتهت الحرب حتى انقلب الحال عليها رأسا على عقب فصودرت كل ممتلكاتها وتم طردها من مصر لتعيش في لندن حتى وفاتها عام 1927م، وعلى كل حال فقد كانت ألكسندرا تراسل السلطان العماني وتبلغه بمدى شكرها له ولدعمه رغم عدم لقائهما شخصيا مع قصيدة مدح لشخصه الكريم، بالإضافة إلى طلبها منه بأن يبعث لها بصورته مثلما فعلت برسالتها حينما أرفقتها بصورتها فكتبت:

« وصلني كتاب مولاي المعظم فتشرفت بلقياه وابتهجت بمرآه ورأيت المجد ماثلا لي بصورة مداده وبياض المعالي يلوح من بين سواده، ولقد كان يكفيني من المجد كتاب مولاي وتشريفه به إياي ولكنه أدام الله علوه أبى إلا أن يتم منه الفضل والإحسان ويضاعف مني الشكر والامتنان فخولني من ثنائه ما عددته أسنى التحف وأنالني من عنايته ما تجاوزت به حد الشرف على أن تشريف مولاي وإن كان يقل في جنبه كل شكر فإن عدم القيام بالواجب له مما لا يحسن فيه العذر ولذلك فقد كلفت قريحتي القاصرة خدمة سمو السلطان بهذه القصيدة أقدمها لأعتابه السامية تهنئة بعيد الأضحى السعيد الذي أسأل الله تعالى أن يعيده على سموه بالعلا والتأييد وأنا أرجو مولاي أن يشرفها بالقبول فإن ذلك عندي نهاية الأرب والمأمول .. ثم إنني لما كنت قد تشرفت بمعرفة مولاي السلطان بما وصل إليه من سطوره واسمه فقد أحببت أن أتشرف أيضا بمعرفة شخصه الكريم ورسمه فأرسلت طي هذا رسمي نائبا عني للتشرف بين يديه الكريمتين راجية من سموه إذا شاء أن يتكرم علي برسمه السامي فأكون قد حزت الشرفين ونلت الأمنيتين وأنا على كل حال شاكرة فضل مولاي وإحسانه سائلة الله أن يوطد ملكه ويؤيد أركانه بمنه وكرمه ..

العيد أنت لدى التحقيق والنظر & توليه اضعاف ما يوليه البشر
ومنك تستقبل الأعياد باسمة & كما تبسم زهر الروض للمطر
وفي زمانك نستجلي مواسمنا & وكل اوقاتها صفو بلا كدر
ما ينقضي منه عيد للورى بهج & إلا رأوك لهم عيدا على الأثر
فلا تزال بك الأعياد مشرقة & يغني الهلال بها عن طلعة القمر
ولا تزال لك الأيام خادمة & تمد ملكك بالعلياء والعمر
عبدة سموكم الكسندرا مليادي دي افيرينوه .. صاحبة مجلة أنيس الجليس «.

هذه نماذج فقط لمجموعة كبيرة من الرسائل الواردة من مختلف أقطار الوطن العربي موجهة للسلطان حمود بن محمد بن سعيد بن سلطان البوسعيدي ردا على تواصله الدائم مع الجميع، من أدباء وخطباء وعلماء وشعراء وصحفيين ومؤرخين والخ، لم يترك السلطان حمود أي مجال يخدم العرب إلا وكان من أول الداعمين له وبالأخص دعم النهضة العلمية والأدبية في زمانه، وما هذه الوثائق إلا أصغر دليل على كل ذلك.

المراجع :

- مراسلات زعماء الإصلاح إلى سلطاني زنجبار حمود بن محمد وعلى بن حمود البوسعيديين 1896- 1919م، جمع وتحقيق د.محمد بن ناصر المحروقي – أ.سلطان بن عبدالله الشهيمي، الطبعة الأولى 2015م بالاشتراك مع منشورات الجمل بيروت - بغداد ، جامعة نزوى – سلطنة عُمان.
- أعلام من أرض النبوة ج2، الشريف أنس بن يعقوب الكتبي الحسني، منشورات الخزانة الكتبية الحسنية الخاصة، الطبعة الأولى 2016م.
- معجم أعلام النساء، تأليف محمد التونجي، دار العلم للملايين - لبنان ، الطبعة الأولى - 2001م.