الحماية من التغول الإلكتروني

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٥/يناير/٢٠٢٠ ١٦:٢٦ م
الحماية من  التغول  الإلكتروني

محمد محمود عثمان

انتشرت في السنوات الأخيرة عمليات النصب الإلكتروني وتعددت الطرق والأساليب الإجرامية ، التي تسبق دائما الضوابط والتشريعات التي يمكن أن تحد منها ، لأن أساليب ارتكاب الجرائم الإلكترونية تسبق التكنولوجيا وقد تتفوق عليها ـ بعد أن يتم استغلال الثغرات الأمنية ، لأن هذه الجرائم تطور من نفسها بمعدلات أسرع وأقوى من التشريعات والقوانين ، بل ومن التقنيات الحديثة، بدليل كثرة عمليات الاحتيال واستمرارها، وزيادة نشر وبث الشائعات المغرضة من خلال منصات متخصصة قد تديرها بعض الدول ، في إطار الحروب النفسية ، للنيل من بعض الشخصيات العالمية أو المجتمعات ، وهى لا رقابة عليها من أي نوع ، و كذاك تفاقم عمليات القرصنة البنكية الممنهجة، وهذا التوغل الإلكتروني يتفاقم يوما بعد يوم ، بل ربما على مدار الساعة ، لذلك فإن الجرائم السيبرانية لها تأثيرات على القطاعات الاقتصادية والتجارية وغسل الأموال ، بل وعلى القطاع العسكري والأمني وعلى السلام الاجتماعي للمجتمعات ، حتى أصبحت من أكثر الجرائم إثارة للاضطراب والمخاوف وعدم الاستقرار ، وتمويل عمليات الإرهاب العابر للحدود، التي يشهدها العالم الآن .

وعلى هذا النمط تنتشر عمليات النصب الإلكتروني من خلال التجارة الإلكترونية،أومن مواقع الكترونية تحاكي شركات عالمية أوبنوك كبرى أو مؤسسات دولية ، تطلب من الضحايا معلومات خاصه مثل الرقم القومي أو رقم التأمين الاجتماعي او رقم حساب البنك او رقم بطاقه الائتمان او كلمات السر- حتى السابقة - والتي تم تغييرها وتستخدم في ذلك أوراق تحمل شعارات وأختام مزورة لهذه الجهات ،لأخبار الضحية بالفوز بجوائز أو رحلات للعمرة ، أو جوائز اليانصيب أو مضاعفة القروض أو للإعفاء من بعض الأقساط أو تمويل المشاريع ، أو تحديث البيانات البنكية أو تفعيل بطاقة الصراف الآلي،أو غير ذلك من حيل النصب الجديدة والمبتكرة والمغرية في الوقت ذاته ،لتتمكن من السطو على البيانات البنكية، من خلال عمليات القرصنة التي تحمل المصارف والمؤسسات المالية خسائر باهظة تؤثرعلى ملائتها المالية وقدرتها الإقراضية ، بالإضافة إلى الخسائر التي تتحملها الأفراد، وهذا ينعكس سلبا على مجمل الاقتصاد وعلى درجة الثقة في الأمن الإلكتروني، ونظم الحماية المتبعة ، والتي تلقي بظلالها على ثقة المستثمرين وحجم التدفقات النقدية الأجنبية.

بعد أن تحولت الآن مواقع التواصل الاجتماعى إلى إعلام جديد أصبح مرتعا خصبا للناشطين لاختلاق وتزوير وترويج الإشاعات المغرضة التي تخلق انطباعات لتزييف الوعي المجتمعي الذي يتسبب في إثارة الكراهية والتحريض على العنف أو الغضب الشعبي ، أو تقويض الروح المعنوية للجيوش النظامية أو لفئات معينة من الممجتمعات ، وهى ممارسات إعلامية في الفضاء المفتوح بلا ضابط أو قيود، يستغلها ضعاف النفوس أو اللصوص والمجرمون لذلك فإنها تطرح إشكاليات قانونية ، تحتاج إلى تقنين أو حوكمة لضبط الأداء وتقويمه بسرعة تتواكب مع حجم السلبيات والأضرار الناجمة عنها، في ظل حمى « وسائل التواصل الاجتماعي» التي تقدم حقائق قليلة لتمرير شائعات كثيرة.

الأمر يحتاج إلى معالجة سريعة عصرية وتكنولوجية ،في ظل وجود خيار أو إمكانية إخفاء هوية المتصل الذي ينجو من المساءلة القانونية عن المحتوى الذى يبثه، وبدون مراعاة مدى اتساقه مع القوانين والأخلاق أوالضوابط المرعية ،انسجاما مع مقولة أن من أمن العقاب أساء الأدب،وهذا يتطلب تدخل الدول والمنظمات الدولية لتنقية وسائل التواصل الاجتماعي من الحسابات الوهمية وضرورة ارتباط الحسابات بأسماء أو مؤسسات حقيقية وربطها بالرقم المدني أو القومي أو السجلات التجارية الموثقة ،حماية لحقوق كل الأطراف، وتحديد مسؤوليات كل طرف ، حماية للمستخدمين من سوء الاستخدام وضمان عدم الاعتداء على حقوق وخصوصيات الأفراد والشركات والدول أيضا، التي تتعرض إلى هجمات مشبوهة تستهدف أمنها القومي .