أي نوع من التعليم نريد؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٨/يناير/٢٠٢٠ ١٢:٢٠ م
أي نوع من التعليم نريد؟

علي بن راشد المطاعني

هناك قضية محورية لم يتحدّث عنها أحد بعد ألا وهي (قضية التعليم) أو نوع التعليم الذي نريده وأي التخصصات تحتاجها البلاد في ظل التحديات الراهنة في سوق العمل تارة، والتطوّرات العالمية في مستقبل الوظائف تارة أخرى، فأين نحن من هذا كله؟ وهل جامعاتنا وكلياتنا تعمل على مواكبة هذه الجوانب أم لا؟ كلها وجميعها تساؤلات تطرح نفسها حول ماهية التعليم الذي نرغب أن ينهل طلابنا من معينه في مقبل الأيام، وما هي التحوّلات التي يتطلب أنْ نُحدثها في هذا المجال الحيوي والمهم؟ وهل هو عين الصواب أن تبقى مخرجات التعليم كما هي بدون تغيّرات تحتاجها التنمية وسوق العمل؟ أم يجب أن نتحوّل إلى التخصصات الفنية والتطبيقية التي يحتاجها السوق وفرص التوظيف فيها واسعة ورحبة كما نعلم.

ففي الفترة القريبة الفائتة شهدنا تخريج أفواج من الجامعات والكليات الحكومية والخاصة، بدون أن نسأل أنفسنا أي سوق عمل سوف يستوعب كل هؤلاء؟ وما هي التخصصات التي درسوها؟ وهل ستلبي تخصصاتهم سوق العمل الذي يهفو ويرنو بعين الأمل والرجاء إلى التخصصات الفنية والإلكترونية والحاسوبية والمهنية باعتبارها متطلبات الحاضر والمستقبل الأكثر إلحاحًا.

فاليوم نحن بحاجة إلى تغيّرات هيكلية واسعة في مجال التعليم الفني الذي يحتاجه سوق العمل ويعج بأعداد كبيرة من العمّال الوافدين تعمل بكل أريحية في السوق آمنة مطمئنة موقنة بأننا لا نملك تخصصاتهم وأن مؤسساتنا التعليمية غافلة عن تلك الحقيقة الجوهرية.

البداية يجب أن تبدأ من مرحلة الأساس بتأكيد حضور التخصصات الفنية والتطبيقية واكتشاف الموهوبين في تلك السن المبكرة وتوجيههم لهذا النوع من التعليم، ولأننا لم نهتم أصلاً بهذه الناحية فالعقل الحصيف لن يقبل أن نساوي بين مهندس في آبار النفط وفي عمق الصحاري القاحلة وفي رأسه لهيب الشمس كله، وبين موظف في مكتب مريح والتكييف لا يسمح للضجر أن يقترب منه أصلاً، وشتان أيضًا ما بين مهندس كهرباء قد يتعرّض للأذى في إطار مهنة خطرة وبين موظف إداري ما بين يديه أوراق لا تضر حاملها ولن تحترق أصابعه من شدة لهيبها، إذن فمن الحكمة أن نقر بأن المهن الفنية تستحق أن تنال وضعًا أفضل، ومخصصات أعلى، ومميزات مغرية؛ فبذلك نحببها في نفوس الأبناء وندفعهم للإجادة فيها والنبوغ في دراستها.

والخطوة الثانية تحويل نصف الكليات الحكومية والخاصة إلى كليات فنية وتطبيقية لتدريس المجالات الفنية وتقديم المنح الحكومية لهذه التخصصات دون غيرها كنوع من التحفيز.
وبنظرة موضوعية لتخصصات الخريجين نجد أن نسبة التخصصات العلمية والفنية والتطبيقية من إجمالي الخريجين والخريجات قليلة من الكليات التطبيقية وكليات الهندسة والعلوم وما بعد ذلك نجد أن معظم تخصصات الخريجين من الكليات الإنسانية والتجارية والإدارية إلى غير ذلك من التخصصات التي لا يحتاجها السوق أو بها تخمة لا تقبل المزيد.

مجلس التعليم معني بدراسة واقع التعليم ومدى مواكبته للتطوّرات في سوق العمل من أجل إيجاد التناسق والتناغم ما بين التعليم والتوظيف، وتلك هي النقلة النوعية التي ننتظرها .
بالطبع هناك جهود تُبذل في هذا الشأن لكنها غير واضحة وبسيطة ولا تفي بالغرض وصولاً للهدف الأسمى وهو تعزيز احتياجات الأسواق من القوى العاملة الوطنية وتصحيح الوضع القائم حاليًا.

نأمل من الجهات المختصة أن تعمل قدر جهدها وطاقتها لدراسة واقع التعليم ومدى مواكبته لمتطلبات العمل وللتطوّرات الحديثة والمتسارعة في هذا المجال الإستراتيجي والذي يهم حاضر ومستقبل الوطن.