عندما توافدوا زرافات ووحدانا

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٩/يناير/٢٠٢٠ ١١:٤٧ ص
عندما توافدوا زرافات ووحدانا

علي بن راشد المطاعني

توافدت عشرات الوفود من المعزين لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، في وفاة المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، جسّدت في الواقع حقائق كثيرة رسّخها باني النهضة المباركة على مدى 50 عامًا من الزمان بنى خلالها جسورًا للتواصل ممتدة بين السلطنة ودول العالم قاطبة، وكرّس خلالها مفهوم الحياد الإيجابي كما ينبغي أن يكون، وأضحت السلطنة بناء عليه هي الواحة التي تحت ظلال أشجارها الباسقات يتكئ الفرقاء ليستمعوا لصوت العقل والحكمة المفضية للسلام والوئام بين الأمم والشعوب، يحدث هذا في إطار الاحترام المتبادل القائم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام المعاهدات والمواثيق الدولية، فضلاً عن الحرص على الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، وبذلك يتسنى رأب الصدع وتضييق هوة الخلاف ومن ثم إصلاح ذات البين بين الأشقاء والأصدقاء، فلا غرو أن يجتمع الفرقاء على أرض السلطنة ليقدموا واجب العزاء للقيادة الجديدة في فقيدنا الكبير، سائلين الله عز وجل أن يسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه وجموع الشعب العُماني الصبر والسلوان.

لقد ترجمت منظمة الأمم المتحدة عن حزنها بتنكيس العلم بمقرها بنيويورك‏ وأصدرت بيانًا نعت فيه فقيد البلاد وعبّرت فيه عن الاحترام لما قدّمه من جهود مخلصة في إرساء دعائم الأمن والسلم العالميين، والأمر ذاته فعلته منظمة اليونسكو وغيرها من المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية.

كما قدّمت دول مجلس التعاون الخليجي تعازيها لجلالة السلطان هيثم بن طارق عبر وفودها التي وصلت لمسقط وإذ هم يوقنون بأن جلالته كان أحد أهم أعمدة الحكمة والموعظة الحسنة في أروقة المجلس.

لقد تبارت وتسابقت الشعوب العربية والإسلامية ودول العالم في التعبير عمّا تجيش به قلوبهم ألمًا وحزنًا على رحيل فقيد الأمة واستمعنا وشاهدنا مقاطع صوتية ومصوّرة كيف أن شعوب كوكب الأرض بكت جلالته في بلدانهم وكيف عددوا مآثره وأفضاله على البشرية جمعاء ورأينا كيف أثنوا عليه إذ هو أقام دولة المساواة والعدل وحكم القانون على ثرى بلاده.

كما أحسنا الاستماع للقصائد الشعرية والمقالات التي جادت بها قرائح الشعراء والكُتّاب وهم يعددون مناقب ومحامد جلالته وعبّروا خلالها عن نبل وصدق مشاعرهم وإذ أمامهم ومن خلفهم إنجازات تناطح الجبال طولاً وشموخًا عمّت البلاد طولاً وعرضًا خلال نصف قرن من حكم جلالته.

إن ما شهدناه خلال الأيام الماضية ونحن نتقبل التعازي كان في حقيقته درسًا بليغًا في ماهية ومعاني العلاقات الدولية وضياء نهتدي به نحن والأمم الأخرى في كيفية بناء العلاقات والصداقات والبعد عن الأحقاد والضغائن وروح الانتقام والتشفي ولما فيه صالح دولنا وشعوبنا وأوطاننا، ومن أجل أن يغدو السلام هو الهدف والغاية والمطية الوحيدة لإسعاد ورفاهية الشعوب.

بالطبع لن نستطيع أن نحصر كل المشاهد والحوادث المؤثرة التي عايشناها باعتبار أن الإنسان لا يروي كل الواقع، ولكنه يحاول التقاط صورة بانورامية تحصر ما استطعنا إليه سبيلاً من مواقف أكدت للجميع بأن جلالته عليه رحمة الله كان رقمًا عالميًا نادرًا وقد شهد العالم جميعه بأنه بالفعل كذلك؛ فتوافد الوفود من عواصم العالم لتقديم واجب العزاء خير دليل وخير شاهد، وهذا ما كتبه التاريخ واحتفظ به هاديًا للأجيال العُمانية القادمة.