إذا عطست وزارة المالية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٦/يناير/٢٠٢٠ ١٠:٣٠ ص
إذا عطست وزارة المالية

علي المطاعني

في الوقت الذي نكن فيه كل التقدير للإدارة المالية للدولة ‏على الجهود المبذولة من جانبها للتوفيق بين الإيرادات والمصروفات وفي إدارة الجوانب المالية بشكل متقن ومحكم، ولما تقوم به من دور محوري في الحفاظ على المكانة المالية للدولة وما يشكله ذلك من أهمية كبيرة في الكثير من الجوانب وسعيها المحمود لتقليل العجز في الميزانيات العامة للدولة، وغيرها من جهود ليست بخافية على أحد.

إلا أن التأخير في دفع مستحقات الشركات لفترات طويلة يُلحق ضررًا بدوران عجلة النقد في البلاد ويحد من إسهامها في إثراء الأسواق وإعطاء الحقوق لأصحابها، ويبطئ من إعادة تدوير الأموال في السوق مرة أخرى على هيئة خدمات ومشتريات.. الخ، ذلك يدعونا للقول إذا عطست المالية الكل يصاب بالزكام، أي إذا تأخرت عن دفع المستحقات الكل يتأثر بدون استثناء، وستبقى هذه الرحى دائرة بدون توقف، الأمر الذي يحتاج إلى معالجة جذرية عبر إيجاد حلول من البنوك بضمانات المشروعات أو العقود المسندة لها من الحكومة كأحد السبل للتغلب على التأخير في دفع المستحقات المالية للشركات لتجنب انعكاساتها على الجميع.

نعلم جميعًا أن الإدارة المالية لمنزل قد ترهق أولياء الأمور والأهالي فما بالك بإدارة مالية لدولة تعمل على التوفيق بين الأولويات وإقامة توازنات دقيقة بين متطلبات كثيرة وإمكانيات قليلة وغير ذلك من جوانب نعلمها وأخرى قد لا نعلمها، وإيجاد الحلول لهذه الإشكاليات والحد من تأثيراتها من الأهمية بمكان لتسريع تدفق السيولة للأسواق من خلال عدم التأخير في دفع مستحقات الشركات حتى لا ندع لها مبررًا في تأخير رواتب موظفيها أو دفع استحقاقات مترتبة عليها للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أو غيرها من الأسباب وإيجاد كل السبل التي تحفظ حقوقها والوفاء بها في الأوقات المناسبة لانتهاء مشروعاتها أو عقودها وبما يسهم ويضمن دوران النقد بشكل سلس.

إن تأخر الحكومة في دفع مستحقات الشركات يجعلها - أي الشركات - تضطر أن تدفع فوائد للبنوك كاستحقاقات التأخير في حين أن الحكومة عندما تتأخر في الدفع لمدة عامين أو ثلاثة فلا تدفع هذه الفوائد نتيجة التأخير، فعلى سبيل المثال إذا كانت نسبة الفائدة في البنوك على الشركات ٨ بالمائة وتأخرت الحكومة في دفع المستحقات ٣ سنوات فإن الفائدة التراكمية على الشركات قد تصل إلى ٢٤ بالمائة.

فالتأخير في دفع مستحقات الشركات قد يؤثرعلى وضعها المالي وتصنيفها في البنوك، بل إن جهود الشركات تكون مركزة على تحصيل ديونها، بدل التطوير والاهتمام بالمشاريع وإتمامها بالوقت وبالكفاءة المناسبة.

فكثيرًا ما نسمع بأن هناك مستحقات لم تدفع أو يتأخر دفعها، رغم أن هناك توجيهات واضحة بتعجيل الدفوعات للشركات، وذلك يتطلب من الجميع التعاون لحل هذه المعضلة سواء من جانب الجهات في إرسال شهادات انتهاء العمل أو الوفاء باستحقاقات العقود أو الخدمات وغيرها أو التسريع بإجراءات الدفع أو بتوفير ضمانات بالدفع الآجل بضمانات المشروعات الحكومية أو العقود الممنوحة للمشروعات أو بضمان الالتزامات المالية على الجهات الحكومية مع منح البنوك فائدة وفق المعتاد في السوق.

بالطبع هناك من التحديات ما تواجه المالية العامة للدولة، وأخرى تتعلق بإنجاز المشروعات وأخرى بإنهاء المعاملات من الجهات المختصة وغيرها من ممارسات تحتاج إلى معالجة بأسرع وقت ممكن لضمان دوران عجلة الاقتصاد والوفاء بالاستحقاقات على كل الجهات في الوقت المناسب؛ فانتظار تدفق السيولة له عواقب لا نقول وخيمة ولكنها ليست بالضرورة جيدة على الأسر والأفراد وإذ هم بحاجة ماسة لتسيير أمور حياتهم اليومية.

نأمل من وزارة المالية أن تنهي مسألة التأخير في دفع الاستحقاقات المالية للشركات من خلال وضع نظام عمل دقيق يسهم في الوفاء بهذا الأمر تجنبًا للانعكاسات السالبة التي تترتب على ذلك؛ فالاقتصاد في مجمله ليس إلا كتلة واحدة مترابطة ومتناسقة بإحكام ووجود أي خلل في أي جزء منها سيؤثر حتمًا على المردود الإجمالي لاقتصادنا الوطني.