حتى لا تتلاشى شركاتنا

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٧/يناير/٢٠٢٠ ١١:٣٣ ص
حتى لا تتلاشى شركاتنا

علي المطاعني

في الوقت الذي تطرح فيه الجهات الحكومية وشركاتها مناقصات عالمية لعدم وجود شركات وطنية تعمل في بعض التخصصات أو المجالات أو ليست لدى المؤسسات الوطنية خبرات للعمل فيها، ونظرًا لأهمية إيجاد شركات وطنية قادرة على مواكبة هذه المتغيّرات التي تفرض المزيد من التكامل بين الشركات الوطنية لتشكيل تكتل من عدة شركات من التصميم إلى التنفيذ مرورًا بالاستشارات والأعمال اللوجستية والخدمية والارتباط بالشركات العالمية أو غيرها، الأمر الذي يتطلب معه من الجهات الحكومية المختصة وغرفة تجارة وصناعة عُمان التفكير بدعوة الشركات الوطنية للاندماج لتشكيل تكتلات فاعلة من الشركات في مختلف المجالات لتنافس على المناقصات الحكومية بدلاً من أن تُطرح للشركات العالمية واحدة تلو الأخرى، وتفقد شركاتنا شيئًا فشيئًا كياناتها وتتلاشى تباعًا واحدة تلو الأخرى مما يؤثر سلبًا على مساهماتها الوطنية والاجتماعية ‏في البلاد.

لا نعرف تحديدًا أين هي الحلقة المفقودة التي يتعيّن أن تربط بين الجهات الحكومية وشركاتها والقطاع الخاص في السلطنة، فكلما تقدمنا في مسارات التنمية وعمدنا لتمكين القطاع الخاص تزداد الفجوة بينهما اتساعًا نتيجة للعديد من المستجدات والمتغيّرات، وكذلك تغليب المصالح الذاتية أحيانًا على الوطنية، والنتيجة بالطبع إضعاف لأنفسنا بدءًا وشركاتنا واقتصادنا ثانيًا، وتعزيز تنقصه الحكمة لشركات الآخرين من دول في العالم شتى، والحجة الواهية التي نعلّق عليها إخفاقاتنا تقول بأن الشركات العالمية لديها إمكانيات وخبرات وإلى غير ذلك من منطق مردود.

بناءً عليه، لا بد من معالجة هذه الإشكالية النفسية غالبًا، بهدف بناء شركات وطنية قادرة على التنافس على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي أيضًا، وقادرة على تقديم خدمات يُشار إليها بالحمد والبنان وبذلك فقط يمكننا القول بأننا قد أنجزنا شيئًا ذا بال.

فإذا كان العائق دون حصول شركاتنا الوطنية على مناقصات كبيرة ومتخصصة فما المانع الذي يحول دون تشكيل شركات وطنية قادرة على ذلك، بل وتتكامل وتتعاضد في ما بينها لإنشاء تكتل مهاب الجانب بدلاً من أن تظل الأمور تراوح مكانها، في حين تذهب مشروعاتنا لشركات عالمية لا تنفق ما يكفي في السوق المحلي ولا تستوعب كوادرنا الوطنية بل وتسرحهم عندما ينتهي عملها.

كل هذه الجوانب يجب على الجهات الحكومية والقطاع الخاص تدارسها والنظر فيها بواقعية وصولاً لما طالبنا به بإنشاء كيانات اقتصادية قادرة على العمل بكفاءة عالية في كل المشروعات الحكومية وحتى في المجالات المتخصصة كالنفط والغاز والمقاولات والاستشارات وغيرها من مشروعات نراها تفلت من بين أيدينا جهارًا نهارًا.

إن بناء شركات وطنية كبيرة يجب أن يحتل اهتمامًا كبيرًا من الجميع في المرحلة القادمة، لتكون هذه الشركات نواة لكل الإنشاءات الحكومية وغيرها، وتعمل وفقًا لمتطلبات واحتياجات المشروعات بشكل متكامل.
فهذه الغايات النبيلة لن يتسنى لنا إنجازها إن لم تكن لدينا الإرادة لمعالجتها بأنفسنا بشكل يتماشى مع أهدافنا ومنطلقاتنا الوطنية الصرفة وتتناغم مع أهدافنا بعيدة المدى في بناء منظومة اقتصادية ديناميكية حاضنة لأبنائها ومبتكرة للحلول ومذيبة للمعضلات والعسرات وقادرة على التفاعل مع المتغيرات، وهذا لن يتأتى إلا بالاتحاد. على ذلك، ما المانع من إطلاق مبادرات مجلجلة على هذا النسق الوطني العُماني الصرف.

هناك بالفعل جهود بذلتها الحكومة بإنشاء شركات في مناطق الامتياز النفطي في التسعينيات وفي الآونة الأخيرة مثل شركات الامتياز المحلية لتناقص على خدمات النفط وأصبحت اليوم وبفضل الله تنافس على مناقصات بمئات الملايين من الريالات، وكذلك شركات خمس سوبر سبريم التي أنشئت في الأعوام الأخيرة، فهذه المبادرات جديرة بإعادة اجترارها باعتبارها نموذجًا ناطقًا للنجاح في هذا المجال.

لكن في المقابل هناك شركات وطنية كبيرة كادت تعلن إفلاسها وأخرى على الطريق بدون معالجات وتدخلات من الجهات الحكومية وممثلة القطاع الخاص في كيفية المعادلة بالتغلب على المشكلات التي تواجه الشركات الوطنية من خلال الاستفادة من المناقصات وبلورة جهود لاندماجها لإنشاء شركات متكاملة، فإن مصير هذه الشركات الخروج من السوق وافتقارنا للشركات الوطنية التي تقود عجلة الاقتصاد.

نأمل أن نوجد الحلول الناجعة لشركاتنا الوطنية ليتسنى لها تقبل كل أنواع المنافسة العالمية وهذا لن يتسنى إلا عبر التكتلات الوطنية الضخمة عندها ستكون قادرة بالفعل على السيطرة على السوق المحلي ومن ثم الاستطالة إلى ما بعد حدود الوطن.