إتيكيت أسبقية استقبال الضيف

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٩/يناير/٢٠٢٠ ١١:١٨ ص
إتيكيت أسبقية استقبال الضيف

سعدون بن حسين الحمداني

يتميز العالم العربي عن بقية بقاع الارض بحسن الضيافة وجود الكرم في استقبال الضيف في كافة الأوقات ومهما تكن صفة الضيف وهذا الكرم ليس بالطعام وأنواعه بل بكل معاني الضيافة من رحابة الاستقبال وحسن الاقامة له والتميز في كل بنود ومفردات الضيافة سواء كان ذلك قبل ظهور الدين الاسلامي الحنيف أو بعده. تتبارئ المعاهد والجهات الدبلوماسية بوضع بعض اللمسات في إتيكيت أستقبال الضيوف سواء على المستوى الشخصي الاجتماعي أو على المستوى الرسمي. لقد كانت ولا زالت مجالس القبيلة أو العشيرة هي منبع الكرم في أستقبال الضيف بكل معاني الاصالة والصفات الحميدة. تعتبر المدرسة الفرنسية سباقة بعد المدرسة الاسلامية العريقة في وضع مفاهيم ولمسات إتيكيت أسبقية أستقبال الضيف لكي تضيف على الحياة المدنية والعصرية كثير من الخطوات المهمة والتي تعتبر مقياس كبير على أنعكاس الشخصية وتطور المجتمع العصري.

يبدأ إتيكيت أسبقية الاستقبال وإكرام الضيف وذلك بارسال جدول الزيارة بالتفصيل حتى في بعض المدارس الاوربية يسأل الضيف عن ما الذي يحب وما الذي يكره سواء في الاكل أو الزيارات رغبة منهم في إكرام الضيف والوصول الى خدمة سبعة نجوم بالضيافة وليس فقط الأكل حيث ترى الأبتسامة وحلأوة الروح والبشاشة ورحابة الصدر التي تميزت بها المدارس الدبلوماسية ويتفاخرون بأنهم هم من الأوائل في هذا المجال.

إنّ القرآن الكريم تحدَّث عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة؛ فإن بروتوكول وإتيكيت أستقبال واكرام الضيف أستخدمها القرآن في كثير من المواضع ونحن أهل هذا الكرم وأساس إتيكيت استقبال واكرام الضيف وكان رسولنا الكريم - صلّى الله عليه وسلم - يحث على هذا النسق الراقي في الحياة.

وأول هذه القواعد وكما عرفنا عند المدارس الدبلوماسية أن يكون الضيف دائما على جهة اليمين سواء في المسير أو الجلوس بينما هذه القاعدة عندنا منذ الالاف السنيين، قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ، ..

وفي القرآن الكريم فأن إكرام الضيف من سمات الاخلاق الاسلامية العالية التي أكد عليها في عدة مواضع وورد في كثير من الآيات الكريمة قال تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم الْمُكْرَمِينَ «24 الذاريات» وجاء بصفة التكريم للضيف والأعتناء به بأعلى درجات الأتيكيت من إحترام وتقدير وقال تعالى: فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ {26}الذاريات وهو من واجبات إكرام الضيف وتهئية ما هو يليق بيه من أكل ومشرب ومكان وكل ماهو يفرح ويسعد الضيف، قال تعالى: ﴿ ..... وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ [الأحزاب: 53وهو درس الهي للجميع حيث توجه الضيف بان لايطول في الجلوس بعد الطعام لان كثير من الدعوات يبقى الضيوف بعد وجبات الاكل الى ساعات طويلة وهذا مما يزعج المضيف وقد يكون ملتزم بنشاط اخر أو مريض او لديه اطفال «فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا»

وفي اكرام الضيف مما يكن من منزلة اجتماعية كبيرة او صغيرة مهمة او غير مهمة قال تعالى: «وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ» يوسف 21 وهو واجب أجباري في اكرام الضيف بدون النظر على المستوى الاجتماعي، وعلى المضيف أن يجود بكل ما عنده في سبيل اكرام الضيف وقال تعالى: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ « الحشر: 9 وهذه الآية الكريمة نزلت بالأنصار عندما قام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة، فانطلق به إلى رحله، وقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:جودي بالاكل والشارب للضيف، نوّمي الصبية، وأطفئي المصباح، ...رغم بساطتهم ففعلت فنـزلت الآية أعلاه وهي قمة الاخلاق الاسلامية واعلى صفات الكرم واستقبال الضيف بهذا المثل الراقي .

وفي المدرسة النبوية الشريفة في موضوع من آداب الأستقبال والتوديع قال رسولنا الكريم» :إن من سنة الضيف أن يشيع إلى باب الدار» وهو ما تؤكد عليه المدارس الدبلوماسية في طبيعة الاستقبال والتوديع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير فيمن لا يضيف» حيث يعتبر اكرام والاهتمام بالضيف من مكارم الاخلاق والضيافة ليست بالاكل والاشربة وأنما بكل مفردات الضيافة من حسن الترحيب والاهتمام فيه لحين المغادرة، ومن مكارم الاخلاق في الدعوة الاسلامية على الضيف أن لايسال عن نوع وطبيعة الاكل وأن يجلس بالمكان الذي يخبره المضيف ولا ينتقد الطعام او المكان ولا يناقش في أمور تجلب الحساسية سواء في «السياسية او الدين» ولا يطيل في الجلوس بعد الدعوة ولا يجلب معه أشخاص دون دعوة فيسبب إحراج للمضيف وفي الختام وعن الامام علي قال : لأن أجمع إخوان على صالح طعام أحب إلىّ من أن أعتق رقبة وهذه هي مدرسة الرسول الكريم وآل بيته الكرام وصالح الطعام ليس بالكثرة والتنوع الكثير انما بما يجود به الشخص رد الدعوة بالمثل قال رسولنا الكريم وقال صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ! أَطْعِمْ مِنْ أَطْعَمَنِي، وَاسْقِ مَنْ سَقَانِي. في رد الدعوة بالمثل .. وفي الختام فأن كل ما ورد في السيرة النبوية الشريفة من إتيكيت أسبقة أكرام واستقبال الضيف هي الان تدرس في المدارس الغربية الدبلوماسية على انها أصول ونظريات البرتوكول والاتيكيت وأن اختلفت في الاسلوب والصورة ألا انها تستمد من تاريخنا الاسلامي العريق الذي كان ولا زال نبراس الامة في كل شي.

دبلوماسي سابق

فن الدبلوماسية

سعدون بن حسين الحمداني