معاقبة الطلاب بعدم دفع الرسوم!

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١١/فبراير/٢٠٢٠ ١١:١١ ص
معاقبة الطلاب بعدم دفع الرسوم!

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي نثني فيه على الجهود التي تبذل لإيجاد حلول لتعسر بعض الأسر من دفع نفقات الرسوم الدراسية المترتبة على بعض الطلبة والطالبات في الجامعات والكليات الخاصة ، والتفاعل والتعاون الذي يظهره أفراد المجتمع في هذا الصدد لتخفيف الأعباء على هذه الأسر مجسدين أسمى وأرقى صور التكافل والتعاضد الإجتماعي ، وبإعتبار أن تعليم الأبناء وأعدادهم لتحمل المسؤولية الوطنية متسلحين بالعلم وبالمعرفة هي جهود تصب في إطار الصالح العام وفي صالح عُمان الوطن حاضرا ومستقبلا.

على ذلك فإن هذه الرسالة تضامنية مابين أولياء الأمور وأفراد المجتمع والجامعات والكليات الخاصة وهي رسالة تلامس سماء القداسة إذ جاز لنا الوصف ، وبالتالي فإن المأمول من الطرف الأهم في المعادلة وهي مؤسسات التعليم العالي أن لاتوقف إستمرار هؤلاء الطلبة في تلقي العلم بسبب التعسر في دفع مستحقات الدراسة ، وبإعتبار أن الوطن هو الخاسر في نهاية المطاف وليس أولياء الأمور وحدهم ، فهناك طرق تتسم بالمرونة في إطار مراعاة الظروف التي تمر بها البلاد ، وأولياء الأمور هم جزء أصيل في كنف هذه الظروف ، وما من شك أنهم لن يضنوا على الأبناء بالمال أن وجد ، وهنا نفترض أن حسن النية متوفر ومكتمل نصابه لدى أولياء الأمور ، على ذلك وفي إطار تفهم مؤسسات التعليم لهذا الأوضاع الإستثنائية فيمكن على سبيل المثال لا الحصر حجب النتيجة النهائية وعدم منحها إلا بعد الحصول على المتأخرات بإعتبارها حق لايمكن التنازل عنه ، وجميعنا يعلم بأن الكليات تعتمد في مواردها على تلك الرسوم الدراسية لتسيير أمورها.

كما أن المجتمع بأسره ومنظمات المجتمع المدني والبنوك معنية بهذه القضية الوطنية ، إذ عليها التحرك الإيجابي في هذا الإتجاه بتكوين كيان يناط به تلقى التبرعات والأعطيات من الأفراد والشركات بعد إنشاء صندوق يسمى الصندوق الوطني لدعم الطلاب أو لدعم التعليم ليساهم في تسديد المتأخرات المالية لهؤلاء الطلاب بعد أن يقدم أولياء الأمور مايثبت عجزهم عن السداد ، كما أن على البنوك أن تقدم مقترحاتها للصندوق في كيفية صياغة مساهماتها في إطار جهد الكل ، هذه الإقتراحات مساهمة منا في إيجاد حل جذري لهذا المسألة لأهميتها الوطنية كما أشرنا ، كما أن الباب سيظل مفتوحا لتلقى المزيد من الإقتراحات من أفراد المجتمع كل وحسب إجتهاده وصولا لصيغة مثلى تحقق الأهداف التي ترضي كافة أطراف القضية.

إن عرض حالات متعسرة في وسائل التواصل الاجتماعي والتفاعل الذي وجدته والتصدي المحمود من المواطنين في تسديد المتأخرات هو تكافل إيجابي بطبيعة الحال ، غير إنه ومن زاوية أخرى فيه تعريض تأباه النفس الأبيه إذ عوزهم بأت حديث الناس في كل فج عميق ، فالكرامة عزيزة كما نعلم ، لذلك فإن الوصول لصيغة حل جذري يحفظ للمعوزين ماء وجوههم وللكليات مستحقاتها بغير تأخير هو الحل الأمثل لهذا القضية بالغة الأهمية.

بالطبع بعض الجامعات والكليات لديها بعض البرامج لمساعدة الطلبة ، بل لديها أقسام تنظر بعين التفهم لهذه الجوانب وتسعى لإيجاد الحلول لها ، غير أن بعضها تركز كليا على الجوانب المادية فقط غافلة حقيقة أن فقدان طالب واحد وتوقفه عن الدراسة يعتبر خسارة للسلطنة بأسرها وقبل أن يكون خسارة لأسرته ، فبلادنا تركز كأمر طبيعي على مخرجات التعليم العالي لإستمرار دوران عجلة التنمية بدون توقف أو تعثر ، هذه الحقيقة الجوهرية يتعين أن تبقى شعار المرحلة القادمة في منظومة بناء الوطن ، ويتعين كذلك إلغاء عقوبة طرد الطلبة من قواميس كل الكليات والجامعات ، فالأمم والأوطان لاتُبنى بهذه القسوة ، بل بالتسامح الحميد لبلوغ الغايات العليا.

نأمل من الجهات المعنية معالجة هذه الظاهرة التي بدأت تطل برأسها كقضية تؤرق بال المجتمع والوطن ، وإيجاد الحلول الناجعة لها وحتى لانفقد المزيد من الأبناء ونقذف بهم لمتاهات الضياع بسبب بضع ريالات لا تساوي حبة رمل واحدة لنفقد بسببها ربما عالم أو مخترع عُماني في المستقبل.