شيزوفرينيا بعض المسؤولين!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٣/فبراير/٢٠٢٠ ١١:٤٥ ص
شيزوفرينيا بعض المسؤولين!

علي بن راشد المطاعني

أستغرب من بعض المسؤولين إذ نراهم يغرّدون خارج السرب، وينظرون من خلف الجدران، كأنهم ليسوا نافذين في الحكومة، فنجد تغريداتهم في تويتر تتناقض مع أعمالهم وأفعالهم وإذ هم في مواقع المسؤولية التي يضطلعون بها، فبعض تغريداتهم وفي مجملها تشكّل موقفا مُغايرا ومعاكسا ومتعارضا مع سياسات الحكومة التي هم جزء فاعل فيها، وعندما نعيد البصر كرة أخرى يرتد إلينا حسيرا وغير قادر على أن يُوفق ما بين ما يقوله اللسان وبين ما تفعله اليدان.

موقف يثير الدهشة فعلا، لينبثق السؤال الحائر لا الجائر هل يا تُرى يحدث ما يحدث فقط للفت الأنظار ولإثارة الفضول، أم أنه غير راض عمّا يفعله وباعتباره يتطلع للأفضل، أم هو معارض لما تقوم به حكومته رغما عن أنه جزء منها، كل ما هناك أنه وجد نفسه في منصب كبير فيها، ويجلس على كرسي وثير من كراسيها وما يمكن أن نطلق عليهم «مسؤولين بالصباح ومغرّدين بالليل»، وما شابه ذلك من الانفصام في شخصيات البعض لدرجة تجعله وجهًا بالكرسي وآخر بتوتير.

بلا شك أن بعض المسؤولين الذين يهرعون لوسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن مواقفهم الشخصية حول أداء الحكومة حتى لو كان همسا فإنهم يثيرون الكثير من علامات الاستفهام منها هل يا ترى حاولوا التعبير عما يرونه صحيحا داخل أروقة مؤسساتهم غير أنه لم يسمح لهم، عندها لم يجدوا غير حائط المبكى هذا ليبثوه حار نحيبهم ومر شكواهم، أم أنهم لا يملكون الشجاعة الكافية للتعبير وبلسان مبين عما يرونه صوابا إحقاقا للحق وصونا للمصلحة العامة، إشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي - وهذه ميزتها - لا تؤاخذ الناس بما يقولون، لذلك فهي الأولى ببث الشكاوى والهموم، غير أن هذا الاحتمال مردود بطبيعة الحال؛ فالمسؤول هو الذي يُفترض أنه لا يجامل ولا يهادن فيما يراه صحيحا ما دام هذا الصحيح يصب في مصلحة الوطن وليس من أجل مكسب شخصي أو دنيوي، لذلك لن نجد له أي مبرر لهذا السلوك؛ فالمسؤول هو راع وهو مسؤول أمام الله ومواطنيه عن رعيته داخل مؤسسته، وأي تقصير في عدم التعبير عما يراه صوابا محاسب عليه، وإن لم يستطع فعل الصواب وقول الحقيقة فالأفضل له ترك منصبه للقادر على إحقاق الحق وقوله في آن واحد.

وهكذا سلوك عواقبه الوخيمة واضحة فهي تمثل في نهاية نقطة سالبة في منظومة الحكومة لوجود تناقض مخل في مكوناتها المفترض فيها الانسجام والتناغم، وهو مشهد يعبّر عن المثل القائل (لو صقر صقر في داره) أي في عمله ووزارته وليس في فضاءات الأثير والتواصل الاجتماعي، ويبلغ التناقض قمة عنفوانه وزهوه عندما نرى تلك المواقف لا تأتي من رجل الشارع العادي وباعتباره مواطنا صالحا فهو في سره وعلنه سواء، يرى الخطأ واضحا فيشير إليه، ويرى الصواب أبلجا فيشيد به في وضح النهار وفي إطار جدلية الحق والفضيلة.

وإذا أردنا أن نحسم هذه (الشيزوفرينيا) المضرة فلا بد من أن نقولها بوضوح بأن من يرغب في أن يدلي برأي له مخالف لسياسات الحكومة والدولة يمكنه أن يفعل ذلك ببساطة ويسر، فقط عليه ألا يكون عضوا فاعلا في الحكومة والدولة، عندها يمكننا أن نصفه بالشخص الحصيف المتصالح من نفسه وذاته، والأمين والصادق في مواقفه وآرائه وعندها فقط يمكنه أن يغرّد كعصفور حزين في أعلى قمة شجرة يختارها وفي أي حديقة يراها مناسبة لهذا الشجن.

بالطبع المجال مفتوح للتغريد في حسابات التواصل الاجتماعي كيفما يشاء ولمن يريد، وبحكم حرية التعبير المكفولة بنص القانون للجميع، ولكن لا ينبغي أن نقول ما لا نفعل ونحن في مواقع المسؤولية مصداقا لقوله تعالى في الآية 24 من سورة الأحزاب (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا).. صدق الله العظيم .

نأمل في وقفة صادقة وأمينة مع النفس في إطار جهود ذاتية لا بد من أن تُبذل لإيجاد صيغة ما لمصالحة قسرية مع النفس تنهي حالة هذا الشد الأليم، ذلك أن الأمر يهم الوطن والمواطن وليس قضية فردية أو شخصية وهنا يكمن الخطر.