عُمان لن تتقدم بالدعاء وحده

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٦/فبراير/٢٠٢٠ ١١:٢٥ ص
عُمان لن تتقدم بالدعاء وحده

علي المطاعني

الجميع متفائل بالمرحلة القادمة وبما ستشهده من تطورات في هيكلة الحكومة وتطوير آليات العمل وتعزيزها بكل الطرق والوسائل، وتفعيل المراقبة والمحاسبة وغيرها، إلا أن ذلك لن يتأتى إلا من خلال الجد والاجتهاد والمثابرة من كل أبناء الوطن؛ فعُمان لن تُبنى بالدعاء وحده، ولا بالأمنيات الطيبات فقط، إذا لم يقترن كل ذلك بتغيير كلي في ثقافة العمل وإعلاء مفهوم المصلحة العامة على الخاصة بل ووضعها في أعلى مراتب الاحترام والتوقير، ومن ثم القضاء على الإشكاليات التي تعيق العمل في أجهزة الدولة.

فاليوم وفي ظل التطورات الاقتصادية والمالية التي تشهدها الدول والسلطنة جزء لا يتجزأ منها، فإن المرحلة الراهنة هي مرحلة البناء تعزيزًا لما تحقق في هذا الوطن من مكتسبات كبيرة وأهداف وتطلعات مشروعة لمستقبل أفضل وأرغد.

فالأمم والشعوب الناهضة لن تتطور إذا بقيت أبدًا تسبح في بحور أحلامها الوردية، وبدون أن تحرك ساكنًا في تغيير واقعها للأفضل، و «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، تلك ثقافة إسلامية راسخة، فسلوكياتنا تجاه كل شيء تحتاج لإعادة نظر، لنبدأ بأنفسنا وقبل أن نلقي باللوم على الآخرين.

كل الأمم والشعوب الناهضة اعتمدت على نفسها في مراحل تقدمها وتطورها؛ فالتجربة اليابانية خير شاهد في عصرنا الحديث؛ فبعد أن استقبلت القنبلة النووية الأولى في هيروشيما وناجازاكي في الحرب العالمية الثانية، لم تنكفئ على ذاتها تلعق جراحاتها النازفة أبد الدهر افتراضًا، غير أنها نفضت عن كاهلها رماد الهزيمة والانكسار، وبدأت من تحت الركام في بناء نفسها، بدأت من الإنسان فهو حجر الزاوية في كل نهوض وارتقاء، فكان أن قدس الياباني العمل فهو أبدًا يعلو ولا يُعلى عليه، ومع مرور الأيام وتوالي السنين ها هي اليابان ذلك العملاق الصناعي والاقتصادي يعلن عن نفسه للعالم جميعه، فكان أن وجد الاحترام حتى من قِبل الذين ألقوا عليه القنبلة النووية في واحدة من أبشع صور الدمار في العصر الحديث.

والصين الشعبية احتفلت مؤخرًا بمرور 70 عامًا على نهضتها الحديثة بعد أن باتت تمشي بثقة لاحتلال الصدارة في اقتصاديات العالم متفوقة على أمريكا في العقود القريبة القادمة إن هي سارت على ذات المنوال. أما سنغافورة فقد كانت حتى عام 1948م تستورد القمح من مصر وتتلقى الهبات من المانحين سنويًا ليتسنى لها إطعام شعبها، وبعد مرور 52 عامًا فقط من ذلك التاريخ ها هي اليوم تتربع على صدارة الاقتصاديات الآسيوية.

وهناك العديد من الأمثلة لشعوب نهضت من تحت الأرض، ثم بالعزيمة والإصرار لامست عنان السماء، لقد اعتمدت شعوب تلك البلدان على نفسها في المقام الأول، وهذا هو سر النهوض الذي نعنيه ونشير إليه، وقدمت المهج والأرواح رخيصة في ميادين العمل والإنتاج، وباعتبار أن العمل والإنتاجية هما الحقل الذي لا يقبل أنصاف الحلول أبدًا، إنه بمثابة أنْ نكون أو لا نكون.

بالطبع هذا ما نصبو ونتطلع إليه في المرحلة المقبلة؛ أي تغيير الثقافة السائدة في مجالات العمل والإنتاج، يجب أن تختفي السلوكيات السالبة إزاء الترفع عن بعض الأعمال باعتبارها لا تليق أو هي منقصة للذات، ذلك مفهوم أقعدنا سنوات طوال، كما أن القوانين والتشريعات يجب أن ترتقي في ذات الاتجاه لتغدو أكثر صرامة إزاء أي تقصير في الواجبات الوظيفية.

نأمل أن نعي جيدًا متطلبات المرحلة ونستوعب تمامًا الكيفية التي تتيح لنا الاستمرار في بناء نهضتنا الثانية بعد 50 عامًا من البناء والعطاء.

أمير الشعراء أحمد شوقي أبدع في هذا الشأن أبياتًا كانت وستظل عنوانًا لكيفية بناء الأوطان عندما قال:

وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي ـ وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ ـ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُمْ رِكابا