اليوم العالمي للإذاعة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٦/فبراير/٢٠٢٠ ١٢:١٢ م
اليوم العالمي للإذاعة

د .محمد بن عوض المشيخي

تحتفل منظمة الأمم المتحدة ومعها دول العالم باليوم العالمي للإذاعة في 13 فبراير من كل عام؛ تخليدا واعترافا بدور هذه الوسيلة الجماهيرية الرائدة في تثقيف الشعوب، وإعلامها بالجديد في مجال الأخبار والمعارف.

وللإذاعة المسموعة مكانة كبيرة وتاريخ عريق في مجال خدمة البشرية منذ انتشار بثها عبر الأثير لأول مرة في مطلع القرن العشرين؛ لأنها واحدة من أهم وسائل الاتصال الجماهيري التي كان لها تأثير كبير على المستمعين في مختلف دول العالم. ففي دول العالم النامي على وجه الخصوص لعبت الإذاعة دورا محوريا في التنمية الوطنية؛ وذلك لرخص أجهزة الراديو، وسهولة حملها في المناطق النائية التي لا يوجد فيها كهرباء. وبشكل عام تعتمد الإذاعة على عدة عناصر ومقومات تمثل القوة الضاربة لهذه الوسيلة؛ المتمثلة في المؤثرات الصوتية التي يستخدمها المخرج لتصوير ووصف الأحداث داخل الاستديو للمستمع. ويعد الحوار الإذاعي الثنائي أو المتعدد أحد أبرز الفنون الإذاعية الذي يضفي علاقة حميمة بين المذيع والمستمع.

بينما تشكل الموسيقى الضلع الثالث لهذا المثلث لوجود قطاع عريض من الجماهير الذين يستمعون للموسيقى حول العالم بقصد الترفيه.

الإذاعة المسموعة في السلطنة كانت ومازالت الصديق الوفي للمستمع العماني منذ فجر السبعين وحتى الان؛ إذ كان السلطان قابوس - طيب الله ثراه - يتحدث للشعب عبر أثير الإذاعة الحكومية عن الخطط التنموية للبلاد ، وكذلك عن بعض التعيينات في المناصب العليا مباشرة أثناء زياراته المتكررة لمقر الإذاعة في بيت الفلج، وإذاعة ظفار في حي الشاطئ بمحافظة ظفار.

وتأسست هذه العلاقة الحميمة بين هذه الوسيلة الإعلامية وبين المواطن العماني؛ بسبب قدرة الإذاعة على الوصول إلى مختلف أرجاء البلاد متجاوزة الجبال والصحاري العمانية؛ وسهولة الخطاب الإذاعي الذي يستوعبه جميع أفراد المجتمع المتعلم منهم والأمي على حد سوى. فالعمانيون يتذكرون جيدا العديد من البرامج الجادة التي قدمتها إذاعة سلطنة عمان الحكومية، منها برنامج البث المباشر الذي انطلق في نسخته الأولى عام 1983م، واستمر إلى 1988م؛ إذ يركز البث المباشر على هموم المجتمع العماني، ويعد همزة وصل بين المواطن وصناع القرار في الوزارات الخدمية في البلاد .

بينما كان برنامج هذا الصباح في نسخته الأولى الذي كان يبث عبر أثير إذاعة الشباب بداية 2008م ؛ واحدا من أفضل البرامج الحوارية الجماهيرية في السلطنة حتى الآن؛ إذ كان يعالج قضايا تتعلق بهموم المواطن في أرجاء السلطنة.

ورغم نجاح البرنامج وجذبه شريحة كبيرة من المستمعين؛ توقف في الدورة الإذاعية الصيفية. ثم عاد بعد الإجازة بأسلوب أقل جرأة في مناقشة قضايا المجتمع؛ وهذا الأمر أفقده الزخم الإعلامي . فتخليه عن طابعه النقدي الصريح ترتب عليه توقفه نهائيا .

بينما ظهر التلفزيون الرسمي بعد بضع سنوات من عصر النهضة العمانية. فكان معظم برامجه ترفيهية، كما أن البث التلفزيوني كان مقصورا على بعض المدن، ولم تغطى كل المناطق إلا بعد استخدام الأقمار الصناعية وانتشار الأطباق الهوائية للبث المباشر.

أما في عصر السماوات المفتوحة، والإعلام الرقمي؛ استطاع الراديو أن يدخل المنافسة الشرسة، وينتزع لنفسه أعدادا غفيرة من الجمهور العماني؛ عن طريق اختيار هذه القنوات برامج جذابة وقريبة من الناس في أوقات الذروة؛ المتمثلة في وجودهم في وسائل النقل عند الذهاب والخروج من العمل، وكذلك الفترة المسائية التي تخرج فيها الناس للأسواق .

وفي دراسة علمية بعنوان: العوامل المؤثرة في العمل الإعلامي العماني؛ دراسة ميدانية على الصحفيين والإعلاميين في سلطنة عمان، نشرتها جامعة السلطان قابوس عام 2017 م احتلت الإذاعة المركز الأول كمصدر أساسي للمعلومات والأخبار المحلية للإعلاميين في عمان؛ متفوقة بذلك على وسائل التواصل ووسائل الإعلام التقليدية الأخرى.
ويحسب للإذاعات الخاصة العمانية نجاحها وسحبها البساط من الإعلام الحكومي الذي لم يوفق في مواكبة حدث وفاة السلطان الراحل وخاصة التلفزيون الذي أعلن عن إعداه برنامج بعنوان: (السلطان قابوس؛ إرث خالد) ويفترض أن يستمر بث حلقاته فترة الحداد، ولكن توقف بث البرنامج؛ بسبب نقد المشاهدين للحلقة الأولى التي تفتقد للموثرات والحبكة الدرامية لمثل هذا الحدث الجلل؛ حسب وجهة نظر رواد وسائل التواصل الاجتماعي .

وقد كانت الإذاعات الخاصة البديل الأنسب لما قدمته من برامج وتقارير تواكب هذا الحدث التاريخي المتمثل في رحيل واحد من أهم زعماء الأمة في العصر الحديث. وكان المحتوى الأكثر استماعا أثناء أيام العزاء والحداد؛ برنامج (خير خلف لخير سلف) من إذاعة «الشبيبة» وبرنامج (السلطان الرمز) من إذاعة هلا، وبرنامج، (أعز الرجال وأنقاهم) من الوصال.

ورغم هذه النجاحات الملموسة للإذاعات الخاصة فهي تواجه العديد من التحديات؛ بعضها تتمثل في التشريعات والقوانين التي تحد من الحرية الإعلامية، وتفرض قيودا على العمل الإبداعي؛ ذلك لوجود لائحة قانون المنشآت الخاصة للإذاعة والتلفزيون التي تفرض ضرائب على هذه الإذاعات الوليدة، والتي تحتاج للدعم والتشجيع من وزارة الإعلام، وكذلك من سوق الإعلانات لكي تطور برامجها وتحسن دخل العاملين في هذا القطاع.

ولعل أبرز هذه التحديات على الاطلاق عدم تعاون الجهات الحكومية في تقديم المعلومات التي تهم الرأي العام العماني. من هذا المنطلق نسجل هنا التحية والتقدير للأصوات الإذاعية العمانية في هذا البلد العزيز على ما قدمته وتقدمه من خطاب إذاعي صادق، ومضامين برامجية تعبر بوضوح عن أولويات واهتمامات الإنسان العماني.
عالميا اختلفت السياسات الإعلامية في المجال الإذاعي في الألفية الجديدة في أعقاب الثورة التكنولوجية وسيطرة الصورة على المشهد الإعلامي؛ ففي كندا، أغلقت الحكومة شبكة الإذاعات الدولية التي تبث بعدة لغات إلى العالم، بهدف إطلاق قناة تلفزيونية. رصد لها ما كان ينفق على هذه الإذاعات. أما في بريطانيا وأميركا؛ فقد أوقفت الولايات المتحدة إذاعة سوا العربية في أكتوبر 2018 التي انطلقت بعد أحداث 11/‏9/‏2001؛ بهدف التأثير على العرب خاصة الشباب.

وأكدت الدراسات البحثية تراجع أعداد المستمعين لهذه الإذاعة التي تبث 85 % من برامجها أغاني عربية وغربية. بينما تخصص 15 % للأخبار. وكانت قبل ذلك قد أوقفت وكالة الإعلام الأمريكية إذاعة صوت أميركا العربية. وكذلك بعض الإذاعات الموجهة إلى أوروبا الشرقية وروسيا. في المقابل استطاعت إذاعة (BBC) العربية أن تواكب التطورات الجديدة عن طريق بث برامجها على موجات الأف أم في معظم المدن العربية، وتخصيص موقع على الإنترنت،مزود بالصور والملفات الإخبارية التي يتم بثها والتنبيه بشكل دائم عن موقع الإذاعة على الانترنت.

وفي الختام يجب الاعتراف بقوة الإذاعات المسموعة وصمودها في وجه المتغيرات العالمية، وتبؤها مكانا مرموقا وسط هذا العالم الرقمي الذي يعج بالمنصات الإعلامية الجديدة . أما على الصعيد الوطني؛ فنتطلع إلى السماح بتدفق المعلومات من المصادر الحكومية، وتسهيل اللوائح والقوانين التي تحد من تطوير العمل الإعلامي في السلطنة.

أكاديمي و باحث مختص في الاتصال الجماهيري والرأي العام

د .محمد بن عوض المشيخي