المزايا التقاعدية غير عادلة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٧/فبراير/٢٠٢٠ ١١:٤٠ ص
المزايا التقاعدية غير عادلة

علي بن راشد المطاعني

من الأمور المهمة التي يتطلب الالتفات إليها في المرحلة المقبلة هيكلة صناديق تقاعد المعاشات في البلاد، ودمجها وتوحيد المزايا التقاعدية والتزامات المنضوين تحت مظلتها باعتبار أن المنتسبين لها في كل الجهات الحكومية والخاصة هم أبناء هذا الوطن وكلهم خدموه كل وفق اختصاصه ومهماته الوظيفية‏، وبالتالي ليست هناك مبررات كافية لوجود 12 صندوقا تقاعديا لموظفين لا يزيد عددهم في كل القطاعات عن مليون موظف من كل الأجهزة الحكومية (المدنية والعسكرية) والخاصة.

تلك حقائق تتطلب اتخاذ خطوات عملية لدمج هذه الصناديق وتوحيد مزاياها في صندوق واحد ونظام واحد بدلا من هذه البعثرة وما يصاحبها من تباين في إدارة استثمارات وأصول هذه الصناديق وما توجده من تذمر بين المتقاعدين بسبب التفاوت غير المنطقي في المزايا حتى عند العجز والوفاة للأسف.

بلا شك أن موضوع صناديق التقاعد في البلاد يوجد انطباعات سلبية بين أوساط الموظفين وعوائلهم باعتبارها غير منصفة للجميع؛ فاليوم وفي إطار أسرة واحدة نجد كل فرد منهم ينضوي لصندوق مختلف عن الآخر في المزايا والأعطيات، ومن الطبيعي أن نجد جدالا في إطار ذات الأسرة حول الأمر، ثم لا يلبث هذا الجدال أن ينتقل تلقائيا إلى المجتمع الكبير كأمر طبيعي، وفي نهاية المطاف ليست هناك قاعدة يتم الاحتكام إليها وصولا لأبجديات العدل واجب الاتباع .
وفي إطار الموظفين في القطاع الحكومي نفسه نجد ذات التفاوت والتناقض موجودا ونلحظه بين العاملين في الخدمة المدنية ونظرائهم في ديوان البلاط السلطاني على سبيل المثال، وكذلك بين العاملين في القطاع الخاص وأقرانهم في القطاع العام، وكذلك ما بين المدنيين والعسكريين، وحتى في القطاع الخاص نفسه هناك أكثر من نظام، كلها نماذج تثير الحساسية بين أبناء المجتمع الواحد وإذ نحن في غنى أصلا عن كل ذلك في الفترة القادمة على وجه التحديد، وما نحن بحاجة إليه في هذا الصدد قرار سياسي يسهم في إنهاء هذا اللا منطق .
إن توحيد الصناديق ومزاياها من شأنه إيجاد كيان كبير يسهم في إنجاح استثمارات الصناديق ويبلور مشروعات ذات جدوى ويعزز من استثمار الأموال من خلال جهاز متكامل يستند إلى قاعدة كبيرة من المساهمين وفي ذلك زخم للجهاز لا يستهان به.
وإذا ما ألقينا نظرة موضوعية على دول قريبة أكثر سكانا نجد المملكة العربية السعودية على سبيل المثال يوجد بها صندوق واحد فقط، وكذلك الكويت ودولة الإمارات وغيرها من دول العالم، إشارة إلى أن الدولة وكأمر طبيعي هي الضامن لهذه الصناديق على اختلافها وتساهم فيها عبر اشتراكات الموظفين وبالتالي ليس هناك مبرر لاستمرارها بهذه الكيفية المكلفة والمهددة للتكاتف والتعاضد الاجتماعي عبر بذرة الإحساس بالظلم عندما تفرهد داخل الفؤاد.
إن معالجة هذا الملف يتطلب نظرة فاحصة وشاملة لهذه الصناديق ومن منظور وطني يبعد التمايز ويعالج التباينات في الاشتراكات وبما يسهم في النهوض بها وطنيا واقتصاديا ووظيفيا بحيث تكون النظم محفزة للمواطن للعمل في أي قطاع كان بدون أن يضع في اعتباره هاجس المعاش قل أو كثر، وفي ذلك تحفيز لشبابنا للالتحاق بكل المهن سواء في القطاع العام أو الخاص فالمساواة هي الملهم الأحق بالاحترام للإبداع والإجادة.
بالطبع كانت قد صدرت توجيهات في السنوات الفائتة حول صناديق المعاشات والتقاعد إلا أنها لم تجد طريقها للتنفيذ وقد آن الأوان لتفعيل تلك التوجيهات بنحو جدي بعد تفاقم الوضع وكما أوضحنا .
نأمل أن تُتخذ خطوات عملية تفضي لدمج صناديق التقاعد وتوحيد مزاياها في إطار صندوق واحد قادر على الإيفاء باستحقاقات المرحلة المقبلة ويوفر مزايا موحدة لكل المتقاعدين .