لقد بلغنا سن الرشد

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٧/فبراير/٢٠٢٠ ١٢:١٦ م
لقد بلغنا سن الرشد

سمعان كرم

بعد خمسين عاماً من ولادة النهضة، بعد ان اخذنا بيده جلالة السلطان قابوس، طيّب الله ثراه الى المدرسة وعلّمنا، والى المستشفى وعالج امراضنا، بعد ان جمعنا في امة واحدة وضمد جراح الخلافات والنزاعات القديمة والعقيمة، فأقام دولة المؤسسات، بعد ان وضع لنا النظام الاساسي للدولة ووزع العمل على الوزارات والهيئات الحكومية، بعد ان قادنا خطوة خطوة نحو الشورى الديمقراطية، بعد ان بنى لنا قوات مسلحة نالت احترام القريب والبعيد فسهرت وحافظت على امننا الداخلي وسلامة اراضينا، بعد ان حافظ على قيمنا وعاداتنا وتراثنا دون ان يؤثر ذلك على النمو الإقتصادي والمعرفي، بعد ان اخذنا بيده لنتعّرف على ثقافات العالم وعّرف العالم على حضارتنا وبنى لنا الصداقات، بعد ان علّمنا واوصانا ان نحترم الشؤون الداخلية للدول وطالب وفرض ان تحترم الدول شؤوننا الخاصة، بعد ان علمنا آداب التعبير والتصرف في المحافل العربية والدولية، بعد ان اعطانا هذا الإرث الكبير كما يترك ابٌ ثريٌ ميراثاً عظيماً لأولاده، والأهم بعد ان ساعدتنا العائلة الحاكمة الكريمة على احترام رأي الاب وأمانة له ولوصيته بتسمية جلالة السلطان هيثم بن طارق ، حفظه الله، خير خلفٍ لخير سلف، فأصبحت تلك الأمانة للفقيد الغالي، رحمه الله، قاعدةً ونهجاً للعمل المستقبلي، بعد كل ذلك اين تقع مسؤولية كل منا وهانحن قد بلغنا سن الرشد؟

عندما يبلغ البنون سن الرشد، يتكّلون على الله وعلى انفسهم لينطلقوا في رحلة الحياة. يشكرون العليّ على ماترك لهم ابوهم ويسعون للعمل والكفاح والنجاح والإبداع والخير والبر وخدمة عائلاتهم ومجتمعهم ووطنهم. ينهضون باكراً في الصباح ويفكرون بما سينجزون وليس بأعذار تبعدهم عن الكدّ والانتاج. يسألون انفسهم ’ماذا انتجت انا اليوم؟ ماذا تعلمت وكيف زدت علمي ومهارتي ومعرفتي‘. ولا اسأل كم بقي من وقت الدوام او متى تأتي عطلة العيد. اخفف من التأفف والتظلم والقاء اللوم على الغير، لا اعتمد فقط على الدعم والمساعدة في كل ما اود ان اقوم به، اكفّ عن الاستياء من الوافدين واعدادهم، وانا الذي اتيت بهم، بل ازاحمهم وافوز عليهم بالانتاجية والكفاءة فأحل مكانهم بصورة ودية وسلسة. افضلّ المنتج الوطني وبصورة عامة اتبنى الممارسات الجيدة المفيدة لي ولبلدي والتي تدل على النضج والرشد.

من المنطلق نفسه، اي منطلق الرشد، على القطاع الخاص من شركات ومؤسسات ورواد اعمالٍ هو ايضاً ان يكف من الاعتماد على المشاريع والمبادرات الحكومية فقط بل ان يتكل على نفسه وان يثق باقتصاد الوطن ومستقبله وهو الذي يصنعه اصلاً، وان يستثمر فيه تماشياً مع حكمة الاقدمين « يلي مو ببلدك، لا لك ولا لولدك» وان يعودوا بودائعهم الى البنوك المحلية فترتفع امكانيات المصارف على تمويل المشاريع وتغذية سوق المال وقيام المبادرات المشتركة بين القطاع العام والقطاع الخاص. على غرفة تجارة وصناعة عمان ان ترفع رؤيتها وآداءها ومصداقيتها بين التجار ورواد الأعمال كي تصبح الممثل الفعلي لهم، وترفع من كفاءتها لتصبح الشريك الدائم للحكومة في رسم وتطبيق السياسات والخطط الاقتصادية والتجارية والمالية. على القطاع الخاص ان يعي مسؤولية ان يعطي القوى العاملة الوطنية افضلية التوظيف لديه وان يسعى دائماً لرفع كفاءاتهم لإحلالهم مكان العمالة الوافدة. ان هذا ليس فقط واجباً وطنياً بل هو ايضاً ضماناً للأمن القومي وللإستدامة التنموية.
والحكومة ايضاً بلغت سن الرشد فرسمت رؤية واضحة المعالم والاهداف وعليها ان تحدد الهيئة الموحدة المسؤولة عن تنفيذ وانجاز الجزء الاقتصادي من تلك الرؤية، اذ ان الاقتصاد يولد الوظائف بينما الوظائف لا تولد الاقتصاد، وان تسرّع التحول الى الحكومة الالكترونية لتسهيل المعاملات وتبسيط الاجراءات كما فعلت شرطة عمان السلطانية في اكثر الحالات، ان تحصّل مداخيلها عن طريق الضرائب على الارباح وليس بالضرورة عن طريق زيادة الرسوم التي تخنق المستثمر قبل ان يبدأ بالإنتاج، واعادة النظر بتطبيق قوانين العمل وترك القرارات التي لا تفيد التعمين لكنها تعقد عمل القطاع الخاص، وان تطبق القوانين التجارية الممتازة التي صدرت مؤخراً من قانون الشركات وقانون الاستثمار وقانون الشراكة وقانون الافلاس وتفعيل مركز التحكيم التجاري في الغرفة، وتفعيل لجنة الحوار المجتمعي حسب قانون العمل، وإعطاء السياحة الأولوية القصوى، ومساءلة الموظفين الحكوميين عن انتاجيتهم فتسهل عملية مساءلة الموظفين في القطاع الخاص، وتعزيز تسويق وترويج مكتسبات عمان من مطارات وموانىء ومعالم سياحية وأمن واستقرار.
اشتكى سماحة مفتي السلطنة في تصريح له من «ضعف الامانة في التنفيذ». اذا تعهّدنا بالامانة بالتنفيذ والتفينا حول جلالة السلطان هيثم بن طارق، حفظه الله ومضينا كلنا وراءه بعزم وثقة نكون بذلك اوفياء لفقيد الوطن الكبير، طيب الله ثراه.