من الرصاص إلى الغراس عام 75

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٩/فبراير/٢٠٢٠ ١٢:١٠ م
من الرصاص إلى الغراس عام 75

محمد بن رامس الرواس

منذ أن استلم جلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه - مقاليد الحكم في السلطنة عام 1970م كانت أمامه جملة من التحديات الصعبة كان أولها الأمن الداخلي للوطن والوحدة واللحمة الوطنية ، وهذا الأمر حرص علية - طيب الله ثراه - اشد الحرص ومن أول يوم فى عمر النهضة المباركة ، فقام باستبدال أسم سلطنة مسقط وعمان «بسلطنة عمان» وأوجد علماً يحمل رمزية الوطن الواحد والشعب الواحد بالوانه الثلاث ، وهذا الامر كان إشارة مباشرة لترسيخ الوحدة الوطنية وقد سعي من أجل ذلك قبل البدء بالعمل على أنهاء حالة التمرد التي كانت مشتعلة في جبال ظفار، ولم يغفل - رحمه الله- باقي التحديات الآخرى منها نشر العلم ، وتوفير المراكز الصحية ، وتنظيم الدولة ، وعقد الأتفاقيات مع الدول الشقيقية والصديقة ، والزيارات الخارجية لشرح عما يحدث فى جنوب عمان فارتفع صوت عمان بالأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وتحدثت الصحافة العالمية عما يحدث وجاء المراسلون لتغطية الاحداث.

لم تكن الحرب التي سعى إليها المتمردون الحاملون للفكر الشيوعي هى حالة عصيان فقط ، بل كانت تحمل فكر توسعي تدعمه عدة دول من الخارج وتغذيه بالسلاح والمال يستهدف عمان والخليج.

لم تكن الحرب بجبال ظفار تتطلب مجابهتها بالسلاح والجنود فحسب ، فهذا أمر مقدور عليه فجلالة السلطان رجل عسكري فذ من الطراز الأول ، يعرف طريقه إلى النصر بإذن الله ، ولكنها كانت حرب تحتاج إلى مواجهة فكرية ايضاً ، فالفكر الماركسي ونظريات ماركس ولينين كانت قد بدأت تنتشر، وهناك من يعتنقها فهو فكر خبيث يدغدغ أحلام الفقراء والمساكين وقليلي العلم والفكر ويعدهم باحلام واهية ، لذا كان على جلالة السلطان -طيب الله ثراه - أن يواجه خصومه عبر جبهتين السلاح بالسلاح ، والفكر بالفكر ، هذا بالإضافة إلى إطلاق مشاريع التنمية بالوطن فى ذات الوقت .

لم يكن جلالة السلطان قابوس -رحمه الله - يريد أن يطيل أمد الحرب بل كان ساعياً إلى إنهائها بأسرع وقت ليتفرغ للتنمية ، لكنه كان دائماً حريصا على اتاحة الفرصة لمن يرغب أن يعود ويذعن للحق من ابناء الوطن ، ولقد تم حصار المتمردين بجبال ظفار فى بعض الاودية اكثر من مرة وحانت أكثر من فرصة للقضاء على مجاميع كبيرة منهم ولكنه كان يأمر بأن يفسح لهم للخروج عبر الممرات الأمنة ،لأن بينهم الشيخ والمراة والطفل والمريض والعاجز، فهو بحق رجل سلام وليس رجل خصام ، ومثل هذه القرارات لا يتخذها إلا دعاة والسلم والسلام الذين يسعون في الأرض بالخير.

وخلال سنوات الحرب التي امتدت إلى عام 1975م كان هدفه- طيب الله ثراه - أن يعود الناس إلى مناطقهم وقراهم بالسهل والجبال آمنين بعد أن هاجروا وهُجّروا منها عنوة ، وكان الهدف في هذه المرحلة أن ينعم الوطن بالسلم والسلام ، وكان أشد ما يواجه جلالة السلطان وجود النازحين ونقص الخدمات والاضطراب الأمني في الجبال ، وانتشار الأوبئة في مناطق الالتحام والمعارك فكان شغله الشاغل تقديم الخدمات منها الصحية والغذائية خاصة للجميع على حداً سواء.

واصل جلالة السلطان قابوس - طيب الله ثراه- عبر نهجه السامي للدعوة للسلام وقت الحرب ، فدعا إلى العفو والتسامح ومد يد الصلح وبذل في ذلك جهداً كبيراً، وجند له أناساً مخلصون من ابناء الوطن عملوا على تحقيقه، فقد كان يعلم - رحمه الله- أن هناك أناساً غُرر بهم ، ويجب أن يأخذ بأيديهم إلى وطنهم، ويجعلهم مساندين للتنمية والتطوير بدل أن يتركهم لمصيرهم في آتون المعارك والاستنزاف ، وكان يعلن عن رؤيته ومنهاجه السلمي عبر خطاباته وفي وسائل الإعلام المختلفة قبل وبعد انتهاء الحرب بان عمان ترحب بالجميع من ابنائها.

وحين استتب له الأمر بفضل الله تعالى بدأ بتعمير عمان فلقد كان يعمل -طيب الله ثراه -كل ما باستطاعته للوصول الى حالة الأطمئنان للمواطنين حتى وضعت الحرب أوزارها، وأعلن عام 1975 انتهاء الحرب وانتصار السلام ، فهناك الكثير من الاستحقاقات تنتظر أهل عمان ليباشروها ، فلقد كان يسعى بكل جهد لإقامة مشروع تنموي وبناء عمُان الحديثة وينشي تنمية مستدامة ويجعل لعمُان مكانة مرموقة بين الأمم ، فلقد كان يهدف حينها أن ينقل الحال من الرصاص إلى الغراس.