د. صالح مسن: انهيار أسعار النفط سيضع اقتصاديات دول الخليج أمام سيناريوهات مالية مؤلمة

مؤشر الأربعاء ١١/مارس/٢٠٢٠ ١٩:٥٥ م
د. صالح مسن: انهيار أسعار النفط سيضع اقتصاديات دول الخليج أمام سيناريوهات مالية مؤلمة

مسقط - خالد عرابي
‏شهدت الأيام القليلة الماضية تراجعا حادا في أسعار النفط العالمية، حيث انخفضت العقود الآجلة لخام برنت إلى نحو 35.84 دولار للبرميل، وهبطت أسعار النفط في أسواق آسيا بأكثر من 20% وانخفضت أسعار النفط منذ الجمعة الماضية بنسبة 30%، بسبب خفض السعودية كأكبر بلد مصدر للنفط للأسعار في تعاملات يوم الاثنين الماضي، وذلك بعد فشلها في إقناع روسيا، يوم الجمعة الماضية، بدعم خفض كبير في الإنتاج . وعمل منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" و روسيا، في السابق، على فرض قيود على الإنتاج، وهو ما رأه بعض الخبراء و المحللين بأنه أنهيار في أسعاره ورأه أخرون بداية حرب أسعار بين المنتجين الرئيسيين، ومن ثم فإن مثل هذا الأمر سيكون لها العديد من التبعات والانعكاسات الاقتصادية على كثير من دول العالم وخاصة المصدرة للنفط و منها الخليجية والسلطنة جزء منها .. "الشبيبة" التقت الأكاديمي والباحث في اقتصاديات دول مجلس التعاون الدكتور صالح بن سعيد مسن ليحلل لنا هذا الأمر وماذا حدث وأثره على الدول النفطية .

أكد الدكتور صالح مسن أن هذا الانهيار العالمي لأسعار النفط سيضع اقتصاديات دول مجلس التعاون التي تعاني من ارتفاع عجوزاتها المالية وتآكل في احتياطاتها النقدية أمام تحديات اقتصادية صعبة و سيناريوهات مالية مؤلمة، حيث ستتضاعف العُجوزات في ميزانيّاتها، وسترتفع حجم الديون العامة إلى مستويات قياسية وتتراجع مُعدَّلات التنمية فيها، وستضطر مُعظمها للّجوء إلى احتياطيتها العامة أو صناديق الأجيال القادمة واستِنزافها كُلِّيًّا، وفرض ضرائب دخل عالية على مُواطنيها، ورفع أسعار الخدمات العامّة وإلغاء مجّانيّتها، وإجراء تخفيض هائل في ميزانيّاتها وانفاقِها العام، واتّخاذ سياسات تقشفيّة صارِمَة.

وأضاف الدكتور صالح مسن أن استمرار حالة الفوضى الحالية في أسواق النفط، وتراجع الإقتصاد العالمي بسبب فيروس “الكورونا” ربّما يُؤدِّي إلى تقديم موعد حالة الإفلاس لبعض الدول، لتراجع العوائد النفطيّة، و غِياب أيّ مصادر بديلة للدّخل، و حينها ستنتهي الدولة الريعيّة.

وشدد الدكتور صالح مسن على أهمية الركون للحكمة و تحكيم العقل فما زالت الأمور بيد صناع القرار السياسي داخل منظمةأوبك وحلفاءها (أوبك بلس) لتلافي مزيداً من الإنهيارات السعرية من خلال الرجوع إلى طاولة المفاوضات وإتخاذ قرار سريع جدا لإعادة التوازن إلى سوق النفط.

تقديرات منظمة الطاقة العالمية
وقال د .مسن: قبل الأزمة الحالية كانت تقديرات منظمة الطاقة العالمية تشير إلى أن الطلب على النفط سينمو ما بين 1 الى 1.3 % سنويًا حتى 2040 اعتمادا على سيناريو السياسات المعلنة أو المسار الحالي للاقتصاد العالمي. وستكون المتغيرات الخارجية بطبيعة الحال هي 1) النفط الصخري الأمريكي و أقل تكاليف إنتاجه حاليا 40 دولار أمريكي ورغم أن الكثير من الشركات المنتجة مثقلة بالديون وستتأثر من الانخفاض الحالي فيرى بعض المحللين أن النفط وإن لم يستخرج اليوم فسيبقى موجودا ومؤثرا على مستقبل الطاقة في العالم. 2) الطاقة المتجددة التي تنخفض تكلفتها سريعا والسيارات الكهربائية التي تكتسب شعبية ونموا كبيرا وتكلفة البطاريات التي سيكون لها الأثر الأكبر في الانتقال إلى السيارات الكهربائية وإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح 3) تصاعد الاستهلاك في أفريقيا وزيادة الطلب على الكهرباء. ولكن يبدو أن التطورات الأخيرة وانهيار المفاوضات بين أوبك وحلفاءها (أوبك بلس) قد قلب مسار الأحداث وأدخل سوق النفط في حرب أسعار و تسابق محموم على إنتزاع الحصص السوقية بعيداً عن التفاهمات المعهودة بين أوبك وحلفاءها من خارج المنظمة.

أسباب سياسية
وأضاف الدكتور صالح مسن قائلا: إأن المتابع لهذه التطورات يمكنه أن يقسم العوامل المسببة لانهيار أسعار النفط إلى عوامل اقتصادية وأخرى سياسية ولكن في هذه الحالة تعتبر العوامل السياسية هي الطاغية والأكثر تأثيرا في الانهيار الكبير لأسعار النفط. بالنسبة للعوامل الاقتصادية فكما هو معلوم أن إنتشار وباء كورونا أثر سلبا على الاقتصاد العالمي مما أدى إلى تقلص الطلب العالمي على النفط وهذا بالطبع أدى إلى إنخفاض سعر البرميل من منتصف 60 دولار إلى منتصف الـ 40 دولار وهذا بحد ذاته خبر سيء لجميع منتجين النفط.

وأوضح قائلا: في ظل احتدام تأثيرات كورونا على أسعار النفط تقدمت السعودية بمقترح من خلال منظمة أوبك على موسكو و شركائها التسعة الآخرين بخفض جماعي إضافي بـ 1,5 مليون برميل يومياً حتى لا يؤدي انتشار الفيروس إلى تقويض ما تمّ التوصل إليه العام 2017 للحفاظ على أسعار مستقرّة في سوق تشهد فائضا في الانتاج، لكن روسيا رفضت ذلك ومن هنا تنحت العوامل الإقتصادية وبدأت العوامل السياسية هي المحرك الرئيسي لهبوط أسعار النفط.

التعنت الروسي
وأشار الدكتور صالح مسن إلى أن التعنت الروسي أدى بالسعودية إلى إتباع إستراتيجية كسر العظم وهي سياسة خطيرة وقد تؤدي إلى عواقب اقتصادية خطيرة، حيث أطلقت السعودية "حرب أسعار"، فخفّضت أسعار النفط المطروح للبيع لديها إلى أدنى مستوياته خلال 20 عاما، في محاولة لتأمين حصّة كبيرة في السوق. و خفّضت المملكة سعر بيع النفط الخام لشهر أبريل لزبائن آسيا بنحو 6 دولارات للبرميل مقارنة بآذار، و7 دولارات للولايات المتحدة، وبين 6 إلى 8 دولارات لأوروبا الغربية ومنطقة البحر المتوسط حيث تبيع روسيا جزءا كبيرا من إنتاجها النفطي.

وفي هذا الشأن ألمح الدكتور صالح مسن إلى أن هذه المغامرة السياسية أدت بأسعار النفط إلى الهبوط بنسبة 30% خلال يوم واحد وهي نسبة قوية جدا لم تسجل منذ مدة طويلة. وأكد أنه إذا إستمرت هذه المناكفات السياسية فقد تصل أسعار النفط لمستوى 20 دولار أو أقل مما سيخرج المنافس الأمريكي الصخري وهذا ما تطمح له روسيا ولكن هذا بلا شك سيؤثر بعمق على سوق الأسهم الأمريكية وستكون له تبعات على الإقتصاد العالمي ككل، فالإقتصاد العالمي أصبح متشابكاً فأي تأثير في سوق سلعة ما تنتقل تأثيراته إلى باقي القطاعات الإقتصادية.

وأكد الدكتور صالح مسن إلى أن السعودية وروسيا تخوضان حاليا معركة خشنة وسيعتمد الأمر على من يصرخ أولاً. وبناءاً على المعطيات التي أمامنا فإن إقتصاد المملكة العربية السعودية أكثر إعتماداً على النفط من روسيا حيث تحتاج المملكة إلى سعر حوالي 83 دولارًا لموازنة ميزانيتها، بينما تحتاج روسيا فقط إلى سعر حوالي 42 دولارًا. وفي الجانب الآخر تمتلك السعودية ميزة من حيث إنخفاض تكاليف إستخراج النفط مقارنة مع روسيا وهي في بعض الحقول ضعف تكلفة إستخراج برميل النفط في السعودية، فيما منتجي النفط الصخري ينفقون أكثر من 40 دولارًا على إستخراج برميل النفط، لهذا فهي حرب أسعار وتنازع على الحصص السوقية والمحصلة النهائية الجميع خاسر في هذه المعادلة المجنونة.