التوعية الحية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٨/مارس/٢٠٢٠ ١١:٠٨ ص
التوعية الحية

علي المطاعني

في الوقت الذي تبذل فيه الجهات الحكومية المختصة جهودا كبيرة للتوعية بالوباء «كورونا» على كل الأصعدة والمستويات، وبكل الطرق الممكنة وبمختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، إلا أن «التوعية الحية» من خلال تجارب المتعافين ربما تكون الأنجع على الإطلاق في التوعية بسبل الوقاية من أسرع الأمراض انتشارا، والحد منه بكل السبل الممكنة، فتجارب المصابين والمتعافين عندما تُعرض على الهواء من خلال برنامج متلفزة وفيديوها أو مقاطع صوتية سيكون أثرها أكبر مما نشهده من الكم الهائل من البيانات والمعلومات المتناقضة والاجتهادات غير الصحيحة في بعض الأحيان وحالة الهلع التي تشهدها الساحة المحلية جراء هذا الطوفان من الفوضى في التواصل الاجتماعي وما يحمله من بيانات مغلوطة وغير دقيقة.

فبلا شك أن جهود التوعية الرسمية ماضية ودقيقة رغم محدوديتها على كل الأصعدة مقارنة مع متطلبات التوعية في مثل هذه الظروف وما يتطلبه من زيادة الجرعات من خلال مشاهدات واقعية لحالات واقعية متعافية من وباء الكورونا وتداعياته السلبية على حياتهم وكيفية تعافوا وما الخطوات التي اتخذوها للمعافاة وكذلك الإجراءات الواجب اتخاذها للوقاية من الكورونا كتجارب حية تسهم في استيعاب أفراد المجتمع ‏لما يجب عليهم القيام به في مواجهة هذا الوباء وتداعياته على كل الأصعدة والمستويات.

فدائما التجارب الحية في التوعية إعلاميا أكثر تأثيرا وفاعلية من غيرها من التنظيرات التي قد لا تؤخذ بمحمل الجد من جانب جموع الأفراد على اختلاف مستوياتهم وثقافتهم وخلفياتهم، لذا تكون الاستجابة بسيطة وغير متوافقة مع مخاطر انتشار المرض وكيفية الوقاية منه من كافة أفراد المجتمع.

ولعل ما نشهده من تجمعات وعادات وممارسات يومية رغم التنبيهات والتوعية المتواصلة يعكس بأن التوعية لم تصل إلى شرائح واسعة من المجتمع بعد أو أنهم لم يستوعبوا تأثيرات المرض وانعكاساته على حياتهم، لذا فإن فرص انتشاره أكثر على ضوء هذه الممارسات، لذا يتطلب تغيير فلسفة التوعية من خلال مشاهدات واقعية أقوى تأثيرا وفاعلية في التوعية تسهم في تعميق التوعية وجديتها من خلال نقل المعاناة التي وقع تحت تأثيراتها بعض المصابين والمتعافين لتكون ذات صدى لدى شرائح من المجتمع.

فلا أعرف لماذا لا نخطو خطوة جريئة في التوعية رغم أن الدواعي لإحداث نقلة نوعية في التوعية والمقاربة الواقعية لها ستكون لها تأثيرات أكبر وأقوى من التوعية الحالية، فمثل هذه الحالات المصابة وكيفية تعافيهم ليس من الصعوبة تقبلها في المجتمع، فهم ليسوا مصابين بالإيدز - على سبيل المثال - حتى يشكّل ظهورهم إحراجا لهم أو ما شابه ذلك، بل إن شجاعتهم قد تصنع منهم أبطالا في المجتمع لمكاشفة المجتمع بإظهار طرقهم في تحدي المرض وتعافيهم وإسداء النصائح للعامة من الناس.

نسمع ونشاهد في وسائل الإعلام العالمية عرضا لبعض التجارب ‏الحية من خلال استضافة بعض المرضى يسردون كيف تغلبوا على المرض وعرض تجاربهم الحية بمراحلها.

بالطبع البعض قد يفهم أو يبرر أن ذلك من الخصوصيات التي لا يمكن إظهارها للعامة، لكن في حالة موافقة المتعافي فما المانع من أن يقدم نصيحة وتجربة حية للعامة؟
نأمل أن تجد مثل هذه الأفكار أصداء إيجابية في التعاطي مع التوعية ضمن الجهود لاحتواء المرض ومحاصرته والانتقال بالتوعية لمرحلة أكثر تفاعلا وواقعية لما تم من تجارب.