كورونا يغزو العالم

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٣/مارس/٢٠٢٠ ٢٠:٤٥ م
كورونا يغزو العالم

د. محمد بن عوض المشيخي

يشهد العالم من مشرقه إلى مغربه حدثًا استثنائيًّا مخيفًا وغيرَ مسبوق في تاريخ البشرية، يتمثل في طَفْرةٍ وراثيةٍ متطورة لفيروس كورونا المُستجِد، بسببه أُغلِقت المدارس والجامعات، وتوقف أكثر من ثمانمائة مليون طالب وطالبة في قارات العالم كافةً عن الانتظام في دراستهم، ناهيك عن إغلاق المساجد في طول البلاد الإسلامية وعرضها، ومَنع إقامة الصلوات الخمس بما فيها صلاة الجماعة؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المصلين.

لقد ضرب هذا الوباء القاتل بلا رحمة مفاصل الاقتصاد العالمي ؛ فانخفضت أسعار النفط إلى ما دون النصف، وأفلست العديد من الشركات والمؤسسات التجارية في أوروبا وآسيا، وأغلقت شركات صناعة الطائرات العملاقة أبوابها؛ لتجنيب موظفيها الإصابة بفيروس كورونا كشركة (بوينج) الأمريكية.
عالميًّا، بلغ عدد ضحايا هذا المرض ما يزيد عن 13 ألف شخص، وتجاوز عدد المصابين ثلاثَمائةِ ألفِ إنسان، وفي هذا المقام، يجب أن تستحضر البشرية العبر الربانية التي تتطلب الصبر والتضحية، يقول الله تعالى في سورة البقرة : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ "
والسؤال المطروح الآن:
كيف نجحت الصين في دحر هذا الوباء ؟
يبدو أن جائحة فيروس كورنا (كوفيد - 19) التي بدأت فصولها الأولى في مدينة (ووهان) وسط الصين الشعبية منتصف شهر ديسمبر 2019م، قد بدأت بالانحسار والتراجع بعد معركة شرسة مع هذا الفيروس القاتل من أجل البقاء على قيد الحياة، ف (كورونا)، أو الموت القادم من الشرق ؛ أصبح همًّا وكابوسًا يهدد الجنس البشري بالفناء والإبادة الجماعية. وفي ظل هذه الظروف الصعبة التي تواجه العالم، اتخذت الحكومة الصينية سلسلةً من التدابير الصحية، وأجرت مزيدًا من التجارب والدراسات العلمية المعمقة لنشاط الفيروس وسرعة انتشار ؛ في محاولةٍ دؤوبة لفهم سلوكه وتسلسله الجيني. وقد أثمرت هذه الجهود الجبارة المتمثلة بتحقيق بارقة أمل في احتواء هذا الوباء والحد من انتشاره. إذ خلت السجلات الرسمية الصينية يوم 19 مارس الحالي من أية إصاباتٍ جديدة لأول مرة منذ ظهور الفيروس. ويُحسَب للحكومة الصينية تحقيق هذا النجاح المبهر في إدارتها لهذه الأزمة غير المسبوقة في تاريخ الصين المعاصر . ويمكن أن نلخص نجاح الاستراتيجية الصينية في النقاط الآتية:
1 - تولى الرئيس الصيني (شي جين بينج) شخصيًّا القيادة لدحر هذا الوباء الخطير عن طريق وجوده في غرفة عمليات الأزمة، بل وبقيامه بزيارات ميدانية إلى مركز تفشي الفيروس في مدينة (ووهان) عاصمة مقاطعة (هوبي)؛ لتفقد أحوال المرضى عن قرب، خاصةً في مستشفى (هوهشنشان)، وحضوره ومشاركته مباشرة مع العاملين في الخطوط الأمامية من الأطباء والممرضين والمتطوعين والعسكريين، مما ساهم في رفع معنوياتهم، وخَلْق أجواء مشجعة لدى الجميع، خاصةً أولئك الذين يواجهون الموت من المصابين الصينيين، في حين تُدار الأمور في الدول الأخرى عن بُعْد، من خلال عقد الاجتماعات، وإصدار التعليمات والقرارات التي تُنفَّذ من قبل الصف الثاني في تسلسل هرم القيادة.
2 - يُعَدُّ الحجر الصحي الذي طبقته الصين هو الأكبر والأكثر فعاليةً في التاريخ؛ إذ تجاوز عدد الذين طُبِّقت عليهم إجراءات العزل الصحي ستين مليون شخص في البلاد، كما أغلقت الحكومة المنافذ الحدودية على مستوى المحافظات والمدن، ومع دول العالم، وفرضت قيودًا صارمة على السفر، وأغلقت المدارس والمصانع في المناطق التي يُشتبَه وجود فيروس المرض فيها، كما اودعت اللجان الطبية المختصة كلا من كان على اتصالٍ بأي مصابٍ بالعدوى في الفنادق أو البيوت، بعد تحويلها إلى محاجر صحية. وفي ضوء هذه المعطيات تم تقسيم المجتمع الصيني بشكلٍ عام إلى أربع فئات؛ أولها: من ثبتت إصابتهم بفيروس المرض، بغرض التعرف على الفئة الرابعة ممن هم بعيدون عن المرضى ولم يختلطوا بفئةٍ من الفئات الثلاث الأخرى؛ لإنقاذهم والمحافظة على حياتهم، وإبقائهم بعيدا عن حالات الإصابة بعدوى كورونا.
3 - ساعدت الإمكانات الاقتصادية المتوفرة في البلاد على العمل خلال بضعة أيام على تأسيس أربعةَ عشرَ مستشفًى ميدانيًّا في عددٍ من المناطق الصينية، وعلى الرغم من تجاوز عدد المصابين بهذا الفيروس الثمانين ألفًا، أكدت منظمة الصحة العالمية شفاء 70% منهم. وبحسب آخر الإحصاءات تعافى حوالي ستين ألف مريض في جميع أنحاء الصين، وغادر جميعهم المستشفيات.
4 - لا شك أن القوة التكنولوجية التي يتمتع بها الصينيون، قد ساعدتهم على كشف التسلل الجيني للفيروس في أيام قليلة، وها هم اليوم على أعتاب الحصول على لقاح لهذا لمرض الفتاك، وربما قبل الأمريكيين والأوروبيين.
أوروبيًّا،أحرج كورونا دولًا متقدمة ؛ ففي إيطاليا - مثلًا - سُجِّلت أعلى نسبة وفيات على مستوى العالم، متجاوزةً بذلك الصين الشعبية، إذ تجاوز عدد الوفيات من جراء الفيروس خمسة آلاف شخص، في الوقت الذي تعترف معظم الدول الصناعية الأوربية الأخرى، بأنها فقدت سيطرتها على احتواء المرض، خاصةً كلٍّ من فرنسا وإسبانيا وبريطانيا.
إن المراقب لهذه الأوبئة الخطيرة التي تظهر بين وقتٍ وآخر، مثل كورونا وانفلونزا الطيور، وH1، وسارس، وإيبولا، وغيرها من الأمراض، يراوده شكٌّ بوجود أصابع خفية عملت على خلق فيروس خطير كهذا في المعامل المخصصة للحروب البيولوجية ضمن سباق التفوق بين الدول الكبرى، ونشره في مناطق من العالم ؛ لتحقيق عائدات ربحية ضخمة من بيع الأدوية والأمصال بمئات الملايين من الدولارات، فقد تبادلت الصين والولايات المتحدة الأمريكية الاتهامات بتسريب هذا الفيروس من مختبراتها، حيث اتهمت الصين قيام الجنود الأمريكان الذين اشتركوا في العروض العسكرية التي أقيمت في الصين قبيل انتشار المرض بنشر الفيروس، وفي المقابل اتهم الرئيس الأمريكي الصين بنشر ما يسميه ب (الفيروس الصيني) في الولايات المتحدة والعالم ؛ لغرض الاستحواذ على الاقتصاد العالمي؛ خاصة البورصات والأسهم العالمية.
وفي كل الأحوال يجب التأكيد على أن كلًّا من العملاقين، (الصين) و(اميركا) يمثلان أعلى درجات التطرف والانتهازية، خاصةً في جَنْي الأرباح وحيازة الأموال بأية طريقةٍ كانت، فالصين تنتمي إلى الأيديولوجية الشيوعية، واميركا تنتمي إلى ما يُعرَف بالنظام المبريالي. فالنظامان بشكل عام يمارسان السياسةً الميكافيليةً النفعية التي تقوم على آن الغاية تبرر الوسيلة.
أما في مجال التوعية، فقد أظهر الأطباء والمختصون في التمريض تناقضًا في توجيه الجمهور إلى أفضل طرق الوقاية من الفيروس، فهناك مَنْ ينصح بلبس الكمامات والقفازات، وفي المقابل هناك مَنْ يُقلِّل من أهميتها في توفير الحماية اللازمة. وثمَّةَ إجماعٌ على العزل الاحترازي، وغسل اليدين ؛ لتجنب الإصابة بعدوى المرض.
ختامًا، ينبغي إظهار الخلط والالتباس في المفاهيم لدى العامة بين (العلاج) و(التحصين) ، فالآمال معقودة على كلٍّ من ألمانيا والصين وأمريكا، في إيجاد لقاحٍ شافٍ للبشرية في قادم الأيام ، ويجب التذكير هنا أن العلاج الحالي لفيروس كورونا هو دواء الملاريا، والمعروف باسم (بلاكنيل).

أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري.