ممارسات لاتشبهنا في الملمات

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٤/مارس/٢٠٢٠ ٠١:٢٨ ص
ممارسات لاتشبهنا في الملمات

بقلم: على المطاعني
ما إن تمر البلاد بأزمة من الأزمات كغيرها من بلدان عالمنا ، إلا ونجد من ينبري متصديا مستعرضا عضلاته البلاغية والصوتية والشوفونية والنرجسية ، ومؤكدا للناس بأنه وطني أكثر من غيره ، وأنه الأصدق حبا للوطن ومواطنيه ولترابه ولجباله ووهاده وأفلاجه وقلاعه وحصونه .

هي في مجملها مزايدات الهدف منها لفت الإنتباه إلى الذات الأماره بالظهور إعلاميا ، فقد كانت أزمة كورونا سانحة ولا أطيب لركوب موجة (الأنا) المعتلة رغم أن الظروف تفرض التسامي فوق الذات وفوق الأنا ، نراهم يتسابقون بالمناكب لوسائل الإعلام الفضائي معلنين تبرعهم لوزارة الصحة بمبالغ مالية وآخرين ببنايات وبعضهم بعيادات إلى غير ذلك من أساليب التلميع الذاتي ، هذا رغما عن أن الظروف التي تحيط بالوطن تفرض أن نكون أكثر وعيا وإدراكا بالمسؤولية الملقاة على عاتق الجميع ، كما أن المشهد لا يحتمل أن نجاهر بأننا نمن على الوطن وأبنائه ، إذ لايعقل أن يمن المرء على أبيه وأمه (فلولاهما لما كان هو) ، الأمر يتطلب أن نكون أكثر وعيا ومسؤولية في التعاطي مع المستجدات الطارئة والمفاجئة ، وحتى لا ينفلت الأمر من عقالة وتمسي هكذا ممارسات عنوانا لكل طارئ يتعين سن التشريعات التي تقنن وتؤطر لهذه الظواهر مستقبلا لاقدر الله ، وتحدد مسارات آمنة لمرور التبرعات والمساهمات والأموال ليعود ريعها للهدف المحدد بغير من أو أذى ، ومن ثم تجريم ما يحيد عن تلك المسارات بإعتباره قد مس حياء الوطن وكبريائه وهذا ما لانرضاه للوطن ولا لمواطنيه بطبيعة الحال .

في الواقع لا أعرف من الذي طالب بالتبرع لموظفي وزارة الصحة ، هل هم الموظفين من فئات الضمان الاجتماعي الذين ترعاهم الدولة أصلا كواجب من واجباتها الاجتماعية ، أم من فئات الضمان الاجتماعي المستحقين للعون والمساندة ، أم من هم ياترى ، ثم هل هناك آليات مقننة ومعروفة لتوزيع مبلغ لايزيد عن عشرة آلاف ريال على العاملين بوزارة الصحة البالغ عددهم أكثر من 65 الف موظف ، ليستلم كل موظف ريال ونصف على أكثر تقدير هذا إذا وزعت المبالغ بالتساوي بينهم ، يبدو أن الأمر بات أقرب للفوضى .

فالشخص الذي أعلن عن تبرعه ببناية أو عمارة لوزارة الصحة ، فالتبرع ينبثق منه سؤال تلقائي حول هل الوزارة بحاجة فعلا لبناية ، لا نعتقد بأنها كذلك ، وبالتالي فإن الأمر يتعدى إطار المساهمة إلى الهدف من المساهمة ، ثم نسأل أنفسنا سؤالا آخر ماذا ستفعل الوزارة الموقرة بالبناية إن صدقت النوايا ، سؤال الإجابة عليه ستوصلنا لحقيقة الأمر كله .

وفي مشهد آخر نجد البعض قد تبرع بعياداته وطاقمها الطبي ، وهذا يفرض جدلية أن الدولة لاتملك طواقم طبية كافية ومؤهلة ، وبما أن العكس هو الصحيح فإن الأمر لايعدو أن يكون تسويقا واضحة معالمة لعياداته إستعدادا لمرحلة مابعد الجانحة كسرا لكسادها كإحتمال قائم .

فإذا كنا نقدر عاليا تكاتف وتعاضد المواطنين في الظروف المناخية التي تعصف بولاية أو محافظة ما في السلطنة ويساعد بعضهم بعضا كواجب إجتماعي متعارف عليه بين أبناء الوطن الواحد ، ولكن في مثل هذه الظروف (الصحية) لا (المناخية) ماذا بأيدى الناس ليفعلوه غير الإلتزام حرفيا بالتعليمات الصحية ، والإبتعاد تماما عن الأنماط الحياتية الاجتماعية الناقلة للعدوى ، تلك هي المساعدات المرجوة والمنتظرة من المواطن على وجه الدقة والتحديد ، فالدولة قادرة على الوفاء بالإستحقاقات المادية والمعنوية وفي أزمات أكبر من هذه الطارئة التي يكمن علاجها في الإلتزام الصارم بالتعليمات التي باتت واضحة للجميع الآن ، وليس بالهبات عديمة المعنى والجدوى .

بالطبع نحن نتفهم الدواقع النبيلة للبعض في أن يقدموا أي شيء في سبيل المساعدة وتقديم يد العون ، ولكن لاينبغي أن يصل الأمر للمتاجرة بالجانحة ، وبنحو يظهر الدولة في موقف المتصدق عليها والأمر ليس كذلك كما نعلم.

نأمل من الجهات المختصة تنظيم هذه الأمور وضبط الممارسات الخاطئة التي تبرز في مثل هذه المواقف الطارئة والمباغتة ، إذ لايسرنا أن نرى هكذا ممارسات وقد طالت عمامتها ..