القصص في الإعلام الجديد

مزاج الأحد ٢٩/مارس/٢٠٢٠ ٢٣:١٥ م
القصص في الإعلام الجديد

"ما الذي يريد الناس الاستماع إليه؟ قصة. ما الذي يجعلك تشاهد فيلماً ما؟ قصة. لماذا تفضل شراء منتج على حساب آخر؟ قصة. ما الذي يربط الناس معاً؟ بالتأكيد، قصة"... كانت هذه هي كلمات الصحفي ورائد الأعمال السعودي عبد الرحمن أبو مالح الرئيس التنفيذي لشركة ثمانية السعودية.

تسعى هذه الشركة المتخصصة في النشر والتوزيع للتواصل مع جمهور المحتوى الرقمي في المنطقة من خلال الوثائقيات والمدونات الصوتية المعروفة باسم البودكاست.يقول عبد الرحمن عن فكرة المشروع :"رواية القصص هي جزء أساسي من أي رسالة إعلامية."

ولكن لم تعد عملية سرد القصص حالياً تُقدم بنفس الطريقة، التي كانت عليها من قبل. وفقاً لتقرير رقمي حول المملكة لعام 2020 صادر عن موقع داتا ريبورتال، فقد بلغ معدل انتشار الإنترنت في المملكة العربية السعودية حتى يناير الفائت 93%، وقفز عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة بنسبة 15% سنوياً ليتخطى 32 مليون مستخدم. ولم يقتصر الأمر على الزيادة الكبيرة في عدد مٌستخدمي الإنترنت فحسب، بل كان هناك أيضا تحول كبير في كيفية حصولهم على المعلومات حول الأمور التي تهمهم. ويٌسلط ذلك التقرير الضوء على حقيقة أن المحتوى المرئي يحقق أعلى معدلات التفاعل بين جمهور منصات التواصل الاجتماعي، إذ تحقق منشورات الفيديو على الفيسبوك معدل تفاعل بنسبة 3.95% مقارنةً بنسبة 2.79% للأنواع الأخرى من المنشورات.

ومكَّن هذا التقدم الكبير في الإعلام الرقمي،الذي بدأ منذ عقدٍ على الأقل حتى الآن، شركات مثل شركة ثمانية من الوصول إلى نقطة التعادل سريعاً. وحققت الشركة السعودية هذه النتيجة في غضون عام من إطلاق عملياتها اعتماداً على تمويل ذاتي في أكتوبر 2016.

أمضى عبد الرحمن، الحاصل على درجة البكالوريوس في هندسة البرمجيات من جامعة ولاية أريزونا الأمريكية، أربع سنوات في العمل لدى بوابة إخبارية عبر الإنترنت قبل إطلاق شركته ثمانية. وفي فبراير 2017، انضمت كاتبة السيناريو أسيل باعبدالله لعبد الرحمن أبومالح لتكون شريكاً مؤسساً في الشركة، وبدأ الثنائي البحث في أسباب انهيار صناعة الإعلام التقليدية.

ويوضح عبد الرحمن قائلاً: "اكتشفنا أن السبب الجوهري هو نموذج الأعمال. كانت المؤسسات الإعلامية تجني المال من الإعلانات، وعندما تحولت إلى الإنترنت لم تتمكن من تطبيق طريقة جديدة لتحقيق الأرباح."
ويعتمد نموذج الأعمال الخاص بشركة ثمانية على طريقتين مختلفتين لجني الأرباح: الأولى من خلال الإنتاج، الذي يتضمن إنشاء المحتوى للكيانات الأخرى،بما في ذلك المشروعات التجارية الحكومية والخاصة. وأما الطريقة الثاني فتتمثل في اعتماد الشركة في تحقيق الربح على المحتوى كمصدر دخل ثانوي، مع التركيز على جمهور الشباب.

ويضيف عبد الرحمن موضحاً: "نعتقد أنه بإمكاننا تغيير طريقة تقديم الإعلانات من خلال تقديم إعلانات أكثر إبداعاً والاعتماد على طريقة رواية القصص."
وتُعَّد الوثائقيات والمدونات الصوتية حالياً هي المنتجات الرئيسية لثمانية. من خلال الوثائقيات، يعيد فريق المحتوى الإبداعي بالشركة سرد قصص عن التاريخ المحلي، بالإضافة إلى تسجيل أنماط الحياة المختلفة من السعودية والمنطقة. وتنتج الشركة أيضاً مدونات صوتية تتضمن مقابلات مع مثقفين و شخصيات مؤثرة من العالم العربي. بالإضافة إلى ذلك، ينشر موقع الشركة مقالات صحفية طويلة.

إيجاد المواهب والاحتفاظ بها... تحدي رئيسي في صناعة المحتوى الإبداعي
في إشارة إلى الصعوبات التي تواجه عملية إدارة شركة إعلامية جديدة، يقول عبد الرحمن: "كان إيجاد المواهب ولا يزال هو التحدي الرئيسي الذي يواجهنا."
وتعتمد ثمانية بشكل كبير على إنتاج مواد عالية الجودة وعلى علاقتها الطيبة مع شبكة عملائها من أجل الحفاظ على أرباحها في هذه السوق سريعة التحول. ولهذا السبب، تعتبر الشركة موظفيها المهرة والمبدعين هم أكثر أصولها قيمة.

ويشير عبد الرحمن إلى هذه النقطة بقوله:"نعمل على بناء نظام عمل يجعل معظم الأشخاص قادرين على اكتشاف طاقتهم الإبداعية. هناك أشخاص مبدعون، لكنهم بحاجة إلى نظام يساعدهم على إخراج أفضل ما لديهم."
استخدمت الشركة في السابق فكرة إقامة مسابقات إبداعية كأداة للتوظيف ودرَّبت طلاب الجامعة كذلك على العمل في المجال. ومن خلال فريق مكون من 21 فرداً ينتشرون في سبع مدن في جميع أنحاء العالم، تتبع ثمانية نهجاً مختلفاً لثقافة مكان العمل يساعدها على استيعاب فريقها الإبداعي والحفاظ عليه.

ويضيف عبد الرحمن: "جميع العاملين في ثمانية لديهم الحرية للعيش والعمل في الأماكن التي يزدهر فيها، ومعظمنا يفعل ذلك."
ويعد التشبع في سوق التدوين الصوتي من التحديات الكبرى الأخرى. فبعد أن أدركت العديد من الشركات قيمة هذا القالب من الوسائط الإعلامية وسهولة وصوله إلى الجمهور، هناك دائماً إمكانية لوجود كمية زائدة عن حاجة السوق؛ مما قد يعطل النمو والأرباح، لكن عبد الرحمن لا يزال يشعر بالتفاؤل بشأن المستقبل.

ويختتم عبد الرحمن حديثه قائلاً: "نعلم أن الناس تريد الاستماع إلى القصص ومشاهدتها وقراءتها؛ ولذلك نصنع قصصاً رائعة تجذب الناس لمتابعتها.ويدفع عملائنا المال مقابل الوصول إلى عملائهم من خلال ما نقدمه من محتوى. ومن هنا، فكلما صنعنا المزيد من المحتوى، نصبح أفضل وأكثر خبرة في المجال."

* مهتم بالتكنولوجيا وريادة الأعمال، ويغطي موضوعات تتعلق بالشركات الناشئة في جميع أنحاء المنطقة